بقدر عظمة الانجاز وشجاعة النضال ونضوج الفكر وريادة الفعل ونزاهة الدافع وصدق المسعى ونصاعة السيرة وعمومية الهدف وندرة المؤازر يجب أن يكون الاحتفاء فالذي يتصف بهذه الصفات أو بعضها يجب الإشادة به وحفظ حقه في التكريم حياً وميتاً حتى لو اختلفنا معه في بعض التفاصيل أو حتى في الأمور الجوهرية مادام أنه قد أخلص واجتهد ويتحرك عن اقتناع وليس عن انتهاز .. ولقد كان وزير البترول السعودي الأول عبدالله الطريقي رجلاً عظيماً في انجازه وشجاعاً في نضاله وناضجاً في فكره ومتميزاً في ريادته ونزيهاً في مواقفه وصادقاً في مسعاه وناصعاً في سيرته وكان هدفه عاماً ولم يكن ذا مآرب شخصية وقد واجه من شركات البترول ومن قوى عالمية عواصف عاتية: ترغيباً وترهيباً فلم يهادن ولم ييأس ولم ينسحب وإنما بقي أميناً لرسالته صامداً في نضاله وظل مكافحاً حتى النهاية فأثمرت جهوده الموصولة ومواقفه الصامدة خيرات كبيرة للوطن العربي بأكمله وخصوصاً البلدان النفطية وبالأخص الأقطار الخليجية حتى وإن اختلفنا معه في بعض الرؤى ولم نوافقه في بعض المواقف... من هنا جاء احتفائي الشديد بالدراسة التي أنجزها عنه المثقف القدير الباحث محمد بن عبدالله السيف إنها دراسة ضافية وشاملة ومفصلة ودقيقة وقد بذل فيها من الجهد والاهتمام ما يستحق عليه التقدير والتنويه وقد صدرت الدراسة بعنوان: (عبدالله الطريقي: صخور النفط ورمال السياسة) لقد شعرت بالراحة وأحسست بالرضا وأنا اقرأ هذا الكتاب الحافل لأنه يرفع عنا بعضاً من عبء العقوق، فالطريقي رغم اختلافنا معه في بعض المواقف والرؤى إلا أننا نؤمن بأنه نزيه في مواقفه ومجتهد في رؤاه وقد ناضل من أجلنا ويجب أن نحفظ له فضله وأن نعيد التذكير بجهده وأن نربي الأجيال على الوفاء له ولأمثاله من الذين كافحوا من أجل هذا الوطن إننا نمارس عقوقاً فظيعاً بحق الأفذاذ من رجالنا الرواد ولكي تدرك فداحة الخلل في تقييمنا لأعمال الرجال تخيَّل لو كان الطريقي شاعراً كم دراسة أكاديمية صدرت عنه وكم بحث وكم أطروحة!!!؟ إنها آفتنا الكبرى فنحن فعلاً كما قيل عنا: ظاهرة صوتية فلا نهتم إلا بالذين يغمروننا بالكلام ويثيرون عواطفنا بالرنين اللفظي فرصيدنا وإبداعنا واهتمامنا مستغرق باللغة شعراً ونثراً إنها الصناعة الوحيدة التي نجيدها ونحسن التعامل بها ومعها.. إن المتابع يجد فرقاً نوعياً بين من يدرس ويبحث ويعمل وينجز بدافع داخلي تلقائي فائر وعن رغبة ذاتية متأججة فينساب منه الأداء انسياباً رائقاً ومن يدرس ويبحث ويعمل اضطراراً من أجل غاية أخرى فيعتبر ما يفعله مجرد وسيلة عابرة اضطرارية فيؤديها بتثاقل ويواصلها بتأفف ويستعجل الغاية لينصرف عن هذه الوسيلة الثقيلة المرهقة التي يتوق إلى نسيان ذكراها لأنها ذكرى مؤلمة ومن طبيعة الإنسان أنه يفر من الألم ويسعى للممتع.. إن الكثيرين من الذين يُعدون البحوث أو الرسائل الاكاديمية يقضون أوقاتاً طويلة ويبذلون جهوداً كبيرة ويستعينون بغيرهم للاهتداء إلى موضوعات لبحوثهم ورسائلهم أي أن البحث لا يأتي ثمرة لإلحاح ذاتي وقلق داخلي ورغبة دافعة من الأعماق وإنما هو نوع من الاضطرار من أجل الأجر أو الشهادة أو الترقية فيواصل العمل مضطراً لا مستمتعاً فيأتي البحث فاتراً لا يشعرك بالأهمية حتى وإن حفل بالشكليات المنهجية.. لذلك يتضاعف الاحتفاء بالعمل التاريخي الجاد والمنصف الذي يقوم به الكاتب المؤرخ محمد السيف لأنه ذاتياً من دون اضطرار ولا بحث عن مكافأة أو شهادة أو ترقية قد اهتم بجوانب أهملها الدارسون مع أنها الأكثر أهمية لأنها ذات تأثير مباشر بحاضرنا وبمستقبل أجيالنا، إن تصحيح الاهتمامات في المجتمع من أهم شروط الارتقاء بالأوضاع وتحسين الأحوال فيجب أن نولي اهتماماً كبيراً لرجال الادارة الناجحين ورواد العمل البارعين ولغيرهم من رواد التنمية في الصناعة أو غيرها من القطاعات التي تسهم في التنمية المستدامة مثل عبدالرحمن الزامل واخوانه الذين كان لهم دور ريادي في التنمية الصناعية في المملكة وكذلك سليمان الراجحي وعبدالرحمن فقيه وآخرين من الذين اهتموا بالأمن الغذائي بإنشاء مشروعات ضخمة للدواجن والأسماك والروبيان وتتنوع مجالات الريادة ويتعدد الرجال الرواد الذين يجب أن نبرز جهودهم وأن نؤرخ لهم.. إن بداية معرفتي بالمؤلف محمد السيف جاءت من خلال اللقاء الذي أجراه مع رجل الادارة الفذ محمد الطويل وهو لقاء ثري نشرته جريدة الاقتصادية في حلقتين وقد أحسست من اللقاء وطبيعة الأسئلة بأن السيف يدرك الكثير من علل الإعاقة الادارية التي نعاني منها وتبيَّن لي منها أنه مهموم بمعضلة التخلف ثم قرأت ما كتبه عن القيادي الراحل عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري، أما الاقتناع الأشد بأهمية الجهد الذي يقوم به فقد توفر لدي بعد أن قرأت كتابه عن عبدالله الطريقي ثم علمت بأنه منشغل بتتبع سير الرجال الذين كانت لهم أدوار في تاريخنا المعاصر سواء من أهل الفكر أو الادارة أو التميز في أي جانب من الجوانب الادارية أو الاجتماعية أو الصناعية أو غيرها من المجالات التنموية المهمة وعرفت أنه أنجز دراسة نقدية عن (عبدالله القصيمي) وعبدالرحمن المنصور وعبداللطيف العيسى ومنير العجلان وعبدالرحمن البطحي وصالح العمير وناصر المنقور وربما تكون دراساته عن الطريقي والمنقور والقصيمي هي الأكثر أهمية.. إن الدراسة التي أنجزها محمد السيف عن عبدالله الطريقي ليست دراسة عن شخص فقط ولكنها تاريخ لحقبة تاريخية مهمة ومراجعة لتحولات اقتصادية كبيرة بل إن الدراسة لم تكن مقتصرة على الوضع المحلي في المملكة وإنما تناولت علاقة أوضاعنا بالأوضاع العربية والعالمية لأن هذه الأوضاع متشابكة وتتبادل التأثير والتأثر سلباً وايجاباً فالكتاب ينبغي أن يقرأ بوصفه كتاباً تاريخياً مهماً.. إن التاريخ الحقيقي ليس سرداً تسلسلياً للأحداث ولكنه يقوم على إمعان النظر في هذه الأحداث وابراز الحدث المحوري الذي يتحول به مسار التاريخ وتتبدل به أوضاع المجتمعات والتركيز على الفاعلين المؤثرين الذين حركوا هذه التحولات ودفعوا بها نحو النهاية وبذلك تكون الكتابة عن الشخصيات المهمة هي الكتابة التاريخية الحقيقية فنحن إذن في جهد محمد السيف مع مؤرخ يعي مسيرة التاريخ ويدرك دور الرجال الفاعلين ولم يقتصر على المؤثرين من رجال الفكر ولا على المؤثرين من قادة الفعل وإنما هو انشغل بهؤلاء وأولئك مما يجعل جهده متوازناً ويعطي عمله قيمة أكبر.. إن الباحث الذي يعمل باهتمام ذاتي تلقائي مثل باحثنا محمد السيف ينجز ما لا ينجزه من يعملون بتكليف أو من أجل الحصول على مكافأة أو أجر أو شهادة أو ترقية وكم يكون رائعاً لو عملت الجهات البحثية كمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية ودارة الملك عبدالعزيز ومعاهد البحوث في الجامعات على تفريغ هذا الباحث وأمثاله من الباحثين الجادين الذين يعملون بدافع داخلي تلقائي لئلا تستغرقهم الأعمال الوظيفية الاضطرارية التي تقتضيها لقمة العيش وأتذكر هنا الباحث الأعمق أبو عبدالرحمن بن عقيل، لقد كان عاشقاً للعلم والأدب والفكر عشقاً مستغرقاً لكنه مع ذلك اضطر أن يصرف طاقته ووقته وأنشط ساعات أيامه في العمل الوظيفي فأنهكه الجهد الوظيفي وصرَفه عن اهتماماته التلقائية الجياشة الأكثر نفعاً والأعظم أهمية فكيف كانت ستأتي نتائج جهده لو أنه جرى تفريغه وأعفي من العمل الوظيفي بضمه شكلياً لأي جهة مسؤولة عن العلم والبحث؟!! وما يؤكد ذلك ضخامة الانجازات التي حققها العلامة حمد الجاسر فقد تهيأت له ظروف أفضل فاستغنى عن الوظيفة وأتاح له هذا الاستغناء أن ينجز انجازاته الباهرة نوعاً وكماً لذلك اخترته كأحد شهود نظريتي عن: (عبقرية الاهتمام التلقائي) اننا نجهل أو نتجاهل أو نغفل عن الأهمية الأساسية لعبقرية الاهتمام التلقائي وهو الموضوع الذي خصصته بكتاب كامل فلو استعرضنا الانجازات الفكرية والادبية والتاريخية التي انجزها الشيخ عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري لأدركنا كيف انه لا إبداع ولا انجاز ولا اتقان إلا برغبة تلقائية فائرة فالرجل كان يقوم بمسؤوليات جسيمة وحساسة ومرهقة ولكنها لم تشغله عن انجازاته الرائعة لذلك وجدته شاهداً قوياً آخر من شهود: عبقرية الاهتمام التلقائي فلا انجاز من دون رغبة ولا اتقان من دون متعة ولا ابداع من غير عشق ولا تحقيق أي عمل عظيم إلا باهتمام قوي مستغرق ان الازدهار يقوم على ركني الابداع والاتّباع (الفكر الخلاق والاستجابة له) وليس ممكنا ان ينهض أي مجتمع إلا إذا تحقق التآزر والتلاحم والتكامل بين هذين الركنين ولو اننا رعينا الراغبين في البحث المندفعين للابداع رعاية تغنيهم عن الانشغال بلقمة العيش والتفرغ للعمل والابداع لكانت أوضاع الابداع عندنا بغير ما هي عليه.. ان الجهد الذي بذله محمد السيف في ابراز اسهامات الطريقي وغيره من المبدعين هو جهد يستحق الاشادة والتنويه وقد لا ندرك الدور العظيم الذي اداه الطريقي إلا حين نتذكر ان رخاء مجتمعات الخليج بأجمعها يقوم على موارد النفط فالبترول هو مصدر كل ما تعيشه هذه المجتمعات من حركة وجيشان وما تنعم به من نمو ورخاء وما تتمتع به من أهمية ومكانة وحتى البدائل عن مداخيله ان كان يوجد بدائل عن النفط للمستقبل فإنها تأسست بأموال البترول اننا نعيش في بيئة صحراوية قاحلة طاردة للأحياء وجدباء معادية للحياة فلا أمطار ولا انهار ولا أي مقوم من مقومات استقرار الحياة ولا أي مصدر ثابت ومتجدد لنمائها مما ابقى هذه الصحراء فارغة من الناس عشرات القرون فلولا البترول لبقيت هذه الصحراء خالية كما كانت خلال آلاف السنين ولكن شاء الله أن يختزن في باطنها هذه الثروة العجيبة ثم شاء الله ان تتغير الحياة الانسانية وان يصير هذا المخزون هو المحرك الأول والأساسي لعجلة الحياة الجديدة فما من شعب في أي مكان من الأرض يستطيع الآن ان يستغني عن البترول انه المادة التي تتحرك بها الحياة المعاصرة ولو انقطع فجأة فسوف تتوقف الحركة الانسانية وتتعطل موارد الحياة إلى أن يتم التوصل إلى بدائل تحل محله.. بهذا البترول العجيب جاشت الحركة في القفار المجدبة وازدهرت الحياة بكل عنفوانها في قلب الصحراء فنما عدد السكان نمواً سريعاً لا عهد لها به وهو نمو مفرط لم تكن البيئة مهيأة لمثله لولا موارد البترول السخية وانتشرت المدن في أعماق الصحاري على شكل طفرات مفاجئة وكأنها كانت تختفي في باطن الأرض ثم انحسرت عنها كانحسار المحيط عن الجزر واكتظت هذه المدن بالحياة والأحياء وازدحمت بالحركة والسكان وامتلأت من الخيرات بكل ما ينتجه المزدهرون في شتى اقطار الأرض فعم الرخاء واصبحنا ونحن نعيش في قلب الصحراء نتوهم اننا نعيش في جبال الألب يغمرنا ويتحرك معنا التكييف البارد أو الحار في السيارات وفي الطائرات وفي البيوت وفي المساجد وفي المكاتب وفي الأسواق ولم يبق إلا تكييف الشوارع!! وتصلنا من أقصى البلدان الفواكه والخضراوات يانعة وتأتينا الاغذية المختلفة طازجة من كل بقاع الأرض!! إنها حياة مصطنعة مغايرة للبيئة الطبيعية تمام المغايرة فما كانت هذه البيئة بطبيعتها الجدباء المعادية للحياة قادرة على تموين هذا النماء الزاخر الجياش ولكن تدفق أموال البترول قد بدل الأوضاع وغيرها تغييراً هائلاً ولكنه تغيير مهدد بالزوال السريع لقد وفر البترول من الامكانات ما جعل هذه المدن الطارئة المكتظة تشرب المياه العذبة المقطرة من مياه البحر يجري ضخها مئات الأميال عبر أنابيب ضخمة فتتدفق كالانهار لتنسي الناس بأنهم يعيشون في عمق الصحراء المحرومة من الأمطار والانهار!! ومن هنا تأتي الخطورة لأن البترول مصدر ناضب فلا بد من ايجاد مصادر بديلة للدخل المتجدد قبل فوات الأوان لتأمين استمرار الوجود الكثيف الذي تفجر في أعماق صحراء طاردة للاحياء ومعادية للحياة.. إن هذا الرخاء الباذخ في عمق الأرض الجدباء قد تأسس على هذا المصدر الناضب واعتمد اعتماداً كلياً على هذه الثروة المحدودة التي كانت مخبوءة في باطن الأرض لكنها بقدر ما جلبت من خيرات سخية وامكانات عظيمة فإنها تضعنا أمام مسؤوليات حادة وملحة وجسيمة فالبترول ثروة ناضبة لكننا على أي حال مدينون بنمونا السريع وتكاثرنا المفرط وتغير أحوالنا الباهر لهذه الثروة الناضبة إن هذه الحقيقة الصارخة توجب علينا أن نحمد الله أولاً ثم ندعو لموحد هذه البلاد ثانياً ثم نعترف للرجال الرواد الذين كانت لهم جهود عظيمة في افادة الوطن من هذه الثروة المخبوءة العجيبة ثالثاً ويأتي عبدالله الطريقي في مقدمة هؤلاء الرجال الأفذاذ لقد خدم الوطن بكفاءة وصدق وناضل بأمانة واصرار وظل وفياً لهذا الوطن وشديد الولاء له إلى آخر يوم من حياته ومن حق الوطن أن يفخر به وبالمقابل فإن على هذا الوطن أن يعترف له بالريادة وان يشيد بجهده وان يحفر له مكانة عميقة في وجدانه كما أن من واجب العارفين بحقائق الأمور أن لا يتركوا هذه المآثر تندثر بل يجب ان يستعيد الناس ذكره وان يكرروا الاشادة به وان يتخذوه مثالاً رائداً تحتذيه الاجيال في الاخلاص والكفاءة وفي الصلابة والاصرار ولا يعني هذا انني أوافقه على كل آرائه ولا أني استحسن كل مواقفه ولكن يكفي انه كان قد عمل باخلاص وعبر عن آرائه بصدق وتعامل بأمانة.. ان على المثقفين والباحثين والاكاديميين والجامعات مسؤولية كبرى في تسجيل التاريخ الناصع للرجال الأوفياء انه واجب أخلاقي ومطلب علمي وحق وطني وحافز تنموي ومكون تربوي ومن هنا جاءت أهمية الجهد الذي يواصله المثقف محمد بن عبدالله السيف فهو جهد يستحق الثناء لذلك أحسست بالانتعاش والسعادة وأنا أقرأ الكتاب الضخم الذي يزيد على ستمائة صفحة ثم شعرت بسعادة أكثر وانتعاش ألذ وأنا أشهد الطبعة الأولى تنفد بسرعة قياسية رغم ضخامته فتعاد طباعته خلال نفس العام وهذا النفاد السريع والتخاطف اللافت له دلالة كبيرة: فالدراسة كانت شيقة وثرية وشاملة ومكتوبة بأسلوب آسر مما جعل القراء يتسابقون لاقتنائه وقراءته أما الدلالة الكبيرة الأخرى فهي أن تخاطف الناس للكتاب يدل على تقديرهم للطريقي واحترامهم لجهده ورغبتهم في معرفة المزيد عنه وهذه دلالة مبهجة. انني ادعو هذا الباحث الجاد ان يعد دراسة مماثلة عن الإداري الفذ محمد الطويل بل عن التجربة الرائدة لمعهد الإدارة العامة بالمملكة وتشخيص أسباب اخفاقه في التأثير رغم جديته الفائقة فهو كالشيء الرائع في غير موضعه انه يشبه شجرة ناصعة الاخضرار وارفة الظل في أرض جدباء فهذا الجهاز النموذجي في إدارته والمثالي في تنظيمه والصارم في انضباطه ودقة أدائه لم يترك في الأجهزة الحكومية البيروقراطية أثراً يتناسب مع ادائه الرائع فضاعت جهوده!! انه يشبه قطعة جديدة في آلة خربة أو رقعة ناصعة في ثوب مهترئ أو باباً انيقاً في بيت متهدم أو كرسياً وثيراً في قطار مستهلك!! لذلك تشتد الحاجة إلى دراسة عميقة ودقيقة عنه فعجز المعهد عن التأثير رغم صرامة جهده برهانٌ على أن الاصلاح الجزئي لا جدوى منه فحركة المجتمع محكومة ببنية ثقافية مغلقة لا تسمح بأي تأثير آخر.. وكذلك تجربة ارامكو التي استطاعت تحويل الرعاة والفلاحين إلى عمال فنيين ماهرين يتحدثون اللغة الانجليزية بطلاقة ويمارسون الأعمال الفنية الدقيقة بمهارة عجيبة!! بل وتحول بعضهم إلى قادة إداريين ورجال أعمال ناجحين انها تجربة رائدة لم تنل الاهتمام الذي تستحقه.