كان هناك وقت من حياتي عني فيه الجمال شيئاً مميّزاً بالنسبة لي ، أظنّ هذا كان عندما كنت ما زلت في السادسة أو السابعة من العمر تقريباً، ربّما قبل عدّة أسابيع أو شهر فقط من قيام ملجأ الأيتام بتسليمي لرجل عجوز. كنت أنهض كل صباح في الميتم ، أرتّب سريري تماماً كما يفعل الجندي الصغير الذي أصبحته ، وبعدها كنت أقف في أحد صفي الطابور ، ونسير لتناول طعام الإفطار مع العشرين أو الثلاثين الباقين من الأولاد الذين عاشوا معي أيضاً في ملجأ الأيتام . بعد تناول وجبة الفطور في صبح أحد أيام السبت عدت إلى جناح النوم ، ورأيت في طريقي المشرف على الملجأ يلاحق الفراشات الجميلة الضخمة التي عاشت بالمئات بين شجيرات الأضاليا المنتشرة حول الملجأ. راقبت بعناية كيف أمسك بهذه المخلوقات الجميلة واحدة تلو الأخرى ، وبعدها جمعها من الشبكة ، وغرز الدبابيس من خلال رؤوسها وأجنحتها ، وقام بتثبيتها في لوحة من الكرتون المقوّى الثقيل. كم كان عملاً قاسياً أن تقتل مخلوقات بمثل هذا الجمال. سرت وحدي عدّة مرّات بين الشجيرات كي تحط الفراشات على رأسي ووجهي ويداي حتى أتمكن من إمعان النظر فيها عن كثب. عندما دقّ جرس الهاتف وضع مشرف المنزل اللوحة الكرتونيّة الكبيرة على الدرجة المصنوعة من الإسمنت ، وذهب الى الداخل ليجيب على الهاتف. سرت باتجاه اللوحة، ونظرت إلى إحدى الفراشات التي كان قد ثبّتها للتو على الصفحة الكبيرة ، كانت لا تزال تتحرّك ، لذلك مددت يدي ولمست جناحها، ممّا أدّى إلى سقوط أحد الدبابيس من مكانه. بدأت الفراشة بالطيران بشكل دائري محاولة الهرب، لكنها كانت لا تزال مثبّتة فقد نفذ دبوس بأحد جناحيها بشكل مستقيم. في النهاية كُسِرَ جناحها ، ووقعت الفراشة على الأرض، واستمرّت بالارتعاش. التقطت الجناح الممزّق والفراشة، وبصقت على جناحها، وحاولت أن ألصقه في مكانه حتى تستطيع الطيران بعيداً، وتحصل على حريّتها قبل أن يعود مشرف السكن. لم أع ما حولي وفوجئت بعودة المشرف على الملجأ ماشياً من الباب الخلفي من خلال باب غرفة القمامة، وبدأ بالصراخ علي . أخبرته أنّني لم أفعل شيئاً، لكنّه لم يصدّقني. التقط اللوحة الورقيّة وبدأ يضربني على رأسي. هنالك بدأت قطع من كلّ الأشكال والأنواع من أجزاء الفراش تتطاير في كل الاتّجاهات. ألقى بلوحة الكرتون على الأرض، وطلب منّي أن أرفعها وأضعها في صحيفة القمامة داخل الغرفة الخلفيّة للملجأ وذهب. جلست هناك وسط القذارة بجانب الشجرة الكبيرة العجوز ، لأطول وقت ممكن محاولاً أن أجمع قطع الفراش معاً حتى أستطيع دفنها كاملة، لكن الأمر كان صعباً جداً، لذلك صلّيت من أجل الفراشات، وبعدها قمت بوضعها في صندوق حذاء قديم ممزّق ودفنتها في قبر كنت قد بنيته في الأرض بين أشجار الخيزران الكبيرة بجانب شجيرات التوت الأسود. في كلّ عام عندما كانت تعود الفراشات إلى الميتم ، وتحاول أن تهبط علي، كنت أحاول أن أطردها عنّي لأنّها لا تعلم أنّ الميتم كان مكاناً سيّئاً للعيش فيه ، ومكانا سيئاً جداً للموت فيه.