سأعود في مقالات لاحقة إلى الحديث عن النهضة المتألقة، وكيف تتحقق لبلادنا، وهي جديرة بها، ولكني آثرت طرق موضوعي هذا لأهميته، ولكثرة ما يدور في المجالس حوله الآن.. عسى أن أكون بذلك قد أسهمت في تبيان ما هو حق شرعي لشقيقة الرجال. لقد فرحت كثيراً بتعيين امرأة جليلة مؤهلة لتكون نائبة لوزير التربية والتعليم لتعليم البنات. وحزنت كثيراً أن يقول بعض الناس فيما كتبوه: إن قيادتنا بهذا أعطت الولاية لامرأة، وأن في هذا تعارضا مع مقتضيات الشريعة الإسلامية. ٭٭ ٭٭ ٭٭ وقد أمعنت النظر، ودرست الأمر من كل وجوهه، وتبين لي أنه حق لا مناص عنه في المرأة والرجل نظيران متساويان في الحقوق والواجبات، لا يفضل أحدهما على الآخر إلا بالتقوى، كما لا يفضل إلا بها رجل على رجل أو امرأة على امرأة، ومن الأمور ذات الحساسية الخاصة في شأن المرأة ومكانها في المجتمع موضوع دور المرأة في الحياة العامة في المجتمع المسلم المعاصر، ومدى جواز توليها المناصب الإدارية أو السياسية. ٭٭ ٭٭ ٭٭ والأصول التي يقيم عليها الفكر الإسلامي العصري نظره في هذا الموضوع آيات قرآنية كريمة من أوضحها دلالة الآية التي افتتح بها ربنا سورة النساء: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً) (النساء: 1)؛ وقول الله تبارك وتعالى في سورة الحجرات: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) (الحجرات: 13)، وقوله سبحانه: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيزٌ حكيم) (التوبة: 71). ٭٭ ٭٭ ٭٭ هذه الآيات - ونظائرها - تلفت نظر المتأمل في نصوص القرآن الكريم إلى أن وحدة الأصل الإنساني الذي تبنى عليه المساواة بين الإناث والذكور، في الحقوق والواجبات، هو القاعدة العامة التي لا يخرج عنها إلا ما استثني بنص خاص. ٭٭ ٭٭ ٭٭ وآية سورة التوبة على وجه الخصوص، تتناول المساواة المبنية على تولي المؤمنين والمؤمنات بعضهم لبعض، وترتب عليها وصفهم بأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويؤدون الواجبات الدينية البحتة الأخرى، المذكورة في الآية، على قدم المساواة. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الذي يعنينا هنا؛ لأنه هو أصل جميع الولايات في الإسلام، فإذا كانت المرأة والرجل يتساويان في وجوبه عليهما، كما يتساويان في وجوب الصلاة، والزكاة، وطاعة الله ورسوله، وهم متساوون في ذلك بلا مراء، فإن التفرقة بينهم في الولاية والإدارة تكون غير مستندة إلى سبب صحيح من الفهم للقرآن الكريم. ٭٭ ٭٭ ٭٭ وفي سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كثير من الأحاديث الصحيحة الدالة على ما قلت لكنني أكتفي بأصرحها لفظاً، وأوضحها دلالة في موضوعنا؛ ذلك هو حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه أبو داوود وغيره عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «النساء شقائق الرجال»، والشقيق نظير ومثيل لا يفرق في الحكم والحق بينه وبين شقيقه إلا بدليل قطعي من قرآن أو سنة، وهو لا يوجد عند القائلين بذلك بل غاية ما عندهم - في الفروق المزعومة بين النساء والرجال في الحقوق والواجبات - آيات تأويلها غير الذي يفهمونه منها، أو أحاديث في سندها أو دلالتها كلام يخرجها عن محل الاستدلال. ٭٭ ٭٭ ٭٭ وقد أعجبني رد الدكتور محمد العوَّا على الشيخ محمد مهدي شمس الدين عندما اعترض الأخير على استعمال هذا الحديث بإطلاق لفظه وعمومه وهب إلى أنه خاص بمسألة معينة هي بيان المماثلة فيما يترتب على حصول الجنابة بغير جماع (الاحتلام)فقال الدكتور العوا سبب ورود الحديث صحيح، لكن العلماء قالوا: «.. والمراد أنهن نظائر للرجال في الخَلْق والطبائع والأحكام، كأنهن شققن منهم، فما ثبت للرجال من الأحكام يثبت للنساء إلا ما قام عليه دليل الخصوصية»، وعزا العوَّا ذلك إلى شرح السنن المسمى: (عون المعبود بشرح سنن أبي داوود) لشمس الحق العظيم آبادي؛ وإلى كتاب: (المنهل العذب المورود بشرح سنن أبي داوود) للشيخ محمود خطاب السبكي المصري، مؤسس الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة المحمدية في مصر في أوائل القرن الميلادي الماضي. ٭٭ ٭٭ ٭٭ ومن أظهر صور المساواة بين الرجال والنساء أن يتساووا في التمتع بالحقوق العامة، وفي أداء الواجبات العامة. فتولي الوظائف، والتصويت في الانتخابات، والترقي في درجات الخدمة الحكومية، وتمثيل بلدها في المحافل الدولية والإقليمية ونظائر ذلك التي لا تحصى لا مسوغ لحرمان المرأة منها ولا سند - شرعاً - لهذا الحرمان غاية الأمر أنه يجب على المسؤولين عن الاختيار أن يجعلوا همهم اختيار الأصلح، والأكفأ، والأجدر للعمل المراد، وأنهم لا يجوز لهم الانسياق وراء الدعاوى القادمة إلينا من الغرب عن (تمكين المرأة) وعن التسوية بينها وبين الرجال في الميراث، وعن حق الطفل غير المدرك لمصلحته في تقرير كيفية حياته، إلى آخر ما عبَّرت عنه وثائق - تحفظت عليها بلادنا السعودية وعدة دول إسلامية بحمد الله، وإنما يكون إعمال هذه المساواة وضمان هذه الحقوق للمرأة في ضوء ما تقرره شريعتنا، وعند اختلاف العلماء يكون القول ما أيده الدليل لا ما يمليه الهوى! ٭٭ ٭٭ ٭٭ ويعترض بعض أهل الرأي في بلادنا على ما أذهب إليه بأن المرأة منوطة بها واجبات أسرية وتربوية، وتعتريها عوارض من حمل وولادة، وفترات إرهاق متكرر، كل شهر، بحيث يحول ذلك بينها وبين أداء ما قد تُكلف به من واجبات وظيفية أو تُختار له من ولايات عامة. والحق أنه لا تعارض بين ذلك كله وبين قيام المرأة بواجباتها واضطلاعها بمسؤولياتها العامة إلا بقدر ما يقع مثل ذلك التعارض بين واجبات الرجل الوظيفية والسياسية وبين واجباته الأخرى نحو عائلته وأولاده ووالديه، ونحوها، سواء بسواء، وهو تعارض يواجه حين يقع، بصورة فردية في كل حالة على حدة. لكنه لا يجوز أن يواجه بوضع قواعد مانعة للمرأة من العمل العام، أو التسليم بهذه القواعد والانقياد لها حين يضعها أولو النفوذ الاجتماعي، ويقسرون الناس عليها. ٭٭ ٭٭ ٭٭ ومما يحمد الله عليه أن قيادة مملكتنا قد توجهت أخيراً نحو الأخذ بهذا الذي بينت خلاصته آنفاً؛ فبدأت النساء يجدن طريقهن إلى أعلى الوظائف الحكومية المؤثرة في المجتمع كله، ومن أظهر الأدلة على ذلك كما جاء في المقدمة تعيين امرأة في وظيفة نائب وزير التربية والتعليم لتعليم البنات، ولعلنا نرى نظائر لذلك تتكرر في شأن صحة الأم والطفل، وفي شأن العلاقة مع المنظمات الدولية المعنية بحقوق المرأة باعتبارها جزءاً من حقوق الإنسان، وهلم جرا. ٭٭ ٭٭ ٭٭ ولا يصح احتجاج الذين عارضوا قرار تعيين نائباً لوزير التعليم لشؤون البنات بحديث «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» الذي رواه الإمام البخاري عن أبي بكرة - رضي الله عنه - ذلك أن المقصود بهذه الولاية هي رئاسة الدولة (الخلافة) وليس المقصود بها أيَّ نوع من أنواع الولاية، ولا المقصود بها قطعاً الولاية المسؤولة أمام أجهزة الرقابة والمتابعة التي تملأ الدولة الحديثة، وللعلماء تأويلات في معاني هذا الحديث أورد أهمها الدكتور العوَّا في كتابه: (الفقه الإسلامي في طريق التجديد، ص 151 وما بعدها)؛ لكن الذي يهمني وأنا أختم هذا المقال أن أُذَكِّر بقول الإمام ابن حجر في شرحه لصحيح البخاري عن موضوع هذا الحديث: «قال الخطابي: في الحديث أن المرأة لا تلي الإمارة ولا القضاء، وفيه أنها لا تزوج نفسها، ولا تلي العقد على غيرها.. كذا قال، وهو مُتعقَّبِّ (أي محل نظر ورد)، والمنع من أن تلي الإمارة والقضاء قول الجمهور، وأجازه الطبري وهي رواية عن مالك، وعند الحنفية تلي الحكم فيما تجوز فيه شهادة النساء» (شرح الحديث رقم 4425 من صحيح البخاري). ٭٭ ٭٭ ٭٭ فلعل مجتمعنا يعيد النظر في موقف الغالبية فيه من حقوق المرأة في الولاية والإدارة؛ فنحقق أمل كثيرات وكثيرين من صلُحاء قومنا في استكمال نيل المرأة حقها في المساواة مع الرجل، وهو حق قرره الإسلام لها بصريح القرآن الكريم، وصحيح السنة الشريفة. ٭٭ ٭٭ ٭٭ وإني لأقرر بحكم تجربتي أن كثيراً من نسائنا المؤهلات قد أهدرت طاقاتهن، وعطلت مواهبهن بسبب عدم تمكينهن من مناصب إدارية، أو علمية يستحققنها، وخسر مجتمعنا بذلك خسارة كبرى فلنعط القوس لباريها أياً كان رجلاً أو امرأة. ٭٭ ٭٭ ٭٭ وفقنا الله جميعاً إلى الخير والصواب، والأخذ بأسباب القوة مهما غلا ثمنها اللهم اجعل صدورنا سليمة معافاة، وأمدنا يا ربنا بتأييد من عندك وتسديد.