"كان درويش يقول لنا انه لن يترك نصوصا غير مكتملة" هذا ما ينقله إلياس خوري عن محمود درويش ، وذكر أيضاً" على الباحثين ان لا يتعبوا انفسهم، لأنهم لن يجدوا شيئاً. لكن للأسف، وعلى الرغم من حرصه الشديد، فلقد ترك لنا محمود هذه القصائد. لذا كان ترددي كبيرا امامها. هل يجوز نشرها؟ واذا لم ننشرها فماذا نفعل بها؟ لكن سؤالا آخر طرح نفسه بقوة، هل يحق لنا عدم نشرها؟ وتركها تاليا في ارشيف الشاعر حيث يمكن ان تنشر مبعثرة او مجتزأة من قبل الدارسين الذين سيوضع ما وجدناه من ارشيف درويش في تصرفهم؟". لقد صدر عن "شركة رياض الريس للكتب والنشر" بيروت (ش. م. ل) "الديوان الأخير" للشاعر الراحل محمود درويش بعنوان "لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي". ينقسم الديوان الى ثلاثة أقسام: الأول بعنوان "لاعب النرد" وهو يبدأ بالقصيدة التي استهل بها امسيته الأخيرة في رام الله . القسم الثاني خصص لقصيدة واحدة " لا أريد لهذي القصيدة ان تنتهي" والأرجح انها القصيدة الأخيرة التي كتبها زمنياً، والتي اراد لها الشاعر ان لا تنتهي. وهي ترمز الى علاقة الشاعر بذاته وأرضه وموته. اما القسم الثالث فيضم مجموعة من القصائد التي كتبها محمود درويش على مراحل منها الوطني ومنها الشخصي وبينها قصيدتان الى نزار قباني واميل حبيبي. ومن عناوين قصاد الديوان: "بالزنبق امتلأ الهواء"، "عينان"، "ههنا الآن وهنا والآن"، "هذا المساء، يأتي ويذهب"، "في رام الله"،"طللية البروة"، "قمر قديم"، "ورغبت فيك رغبت عنك"، "ليل بلا حلم". يحمل العمل الأخير لمحمود درويش علامتين فارقتين: 1 انه لم يدرك صاحبه ولم يحمل توقيعه الى محبيه. لكنه ترك على كل صفحة بصمة محمود درويش وهي تقول: :"ان من البيان لسحراً". 2- يحمل هذا الكتاب شحنة عالية من الحكمة والفلسفة والنضج وكأن المرء قبل ان يدركه الموت يقترب من الحقيقة المطلوبة. ولأن محمود درويش لم يضع اللمسات الأخيرة على عمله الأخير كان من حق القارئ ان يعرف كيف وصل هذا الكتاب الى النشر فأرفق كراس بعنوان "حكاية الديوان الأخير" بقلم الكاتب والروائي الياس خوري. من كلمات محمود درويش الأخيرة في "لا أريد لهذي القصيدة ان تنتهي":"لن نموت هنا الآن، فالموت حادثة / وقعت في بداية هذي القصيدة، حيث التقيت بموت صغير وأهديته وردة،فانحنى باحترام وقال: اذا ما أردتك يوماًَ وجدتك" . ويذكر إلياس خوري الذي دون هذا الكراس مرفقاً مع طبعة الديوان :"في ليالي قراءة هذا المخطوط واعادة قراءته، كنت اتذكر تحديد الخليل للشعر، وارى فيه، صورة الشاعر العربي الذي جسّد عبر الأزمنة والعصور، احتمالات اللغة وقدرة الشعراء على اخذها الى الرؤيا، والإبحار عبرها إلى أعماق الرغبات الإنسانية في الآن نفسه. "على قلق كأن الريح تحتي/ اوجِّهها يمينا اوشمالا". كان درويش يردد صدر هذا البيت دائما، ويتوقف قبل ان يصل الى عجزه. كأنه اكتفى من المتنبي بالقلق، معلنا انتماءه الى الانسان - الشاعر، متخليا عن غواية السلطة التي طبعت سلوك شاعر العرب الأكبر". ذهب محمود درويش. لا لم يذهب. القصيدة لا تنتهي. كذلك درويش قصيدة لا تنتهي!