الحمد لله الباقي الذي لا يفنى، والصلاة والسلام على الذي ما ترك هذه الدنيا إلا بعد أن أكمل رسالته. في وقت لا أملك فيه إلا أن أقول: (إنا لله وإنا إليه راجعون). في ليلة مباركة، وعصيبة كانت ليلة الجمعة الموافق 8 ربيع الأول من عام 1430ه ليلة مأساة لنا، لأن الموت بهوله وقساوته، يفقد الناس أحباءهم، ويخلق فيهم فراغاً يصعب عليهم ملؤه بعد غياب الحبيب، أباً كان أو أماً، صديقاً كان أو حبيباً، معيلاً كان أو أخاً.. فإذا الدموع لغة، والتنهدات تعبير، والحزن هو الوشاح الذي يلف الحياة، فكيف تكون المشاعر والأحزان دافقة، الدموع منهمرة، ماذا أكتب وقد مر على فراق والدتي وقرة عيني، ما يناهز الثلاثين يوماً حاولت الكتابة للتعبير، وكان تحبسني الدمعة، حاولت مراراً ولكن هول المصيبة أعظم، إننا بشر، ومن فضل الله علينا أن جعلنا مسلمين، مؤمنين بقضاء الله وقدره، مُسَلِّمين بأن الموت حق لقوله تعالى: (قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم...) ولكنني هنا أكتب لأعبِّر عن فقدان أمي من منطلق عاطفي، مؤمناً بما ارتضاه الله جلت قدرته، والدتي وغاليتي وحبيبتي السيدة الفاضلة (زينب بنت محمد عبدالله المالك) التي رحلت عن دنيانا الفانية ونحن متحلقون حولها بالمستشفى، جميعنا كنا بجوار سريرها، نراقب سكناتها وأنينها ودقات قلبها، كنّا جميعاً أسرة واحدة نرقب هنا وهناك، ننتظر إلى أن جاء هادم اللذات بأمر العزيز الحكيم ليخطفها إلى دار الخلود، أسأل الله أن يجمعنا وإياها وكل مسلم ومسلمة في جنات النعيم. لقد كانت رحمها الله الأم، والمربية، والموجهة، والناصحة، والصديقة للجميع كانت صادقة مع الله، مؤمنة بقضائه وقدره، محتسبة في مرضها وفوق هذا كانت راعية أمينة لشؤون أسرتها، القريبين منها والبعيدين، تعد الكبيرة أماً والتي في سنها اختاً والتي تصغرها ابنة لها.كانت مؤمنة برسالتها العائلية، وبواجباتها الدينية، كما أنها كانت ذات حضور خيري في الخفاء بتفقدها لأحوال بعض الفئات الفقيرة من المجتمع الذين كانت تواصلهم، وتعطيهم، وتغدق عليهم، بيمين لا تعلم شمالها بما أنفقت، وكانت كثيراً ما تحثنا على البذل والعطاء وبحول الله وقوته سنواصل مسيرتك العطرة أيتها الأم الغالية. أمي الحبيبة: لقد ودعناك في تلك اللحظات القاسية، بعد أن اختارك مولاك إلى جواره، ولكن تركت قلوبنا مليئة بالحزن والأسى، لقد كنت لنا أماً، وأختاً وصديقة، وحبيبة، منحتِنا الحب والإخلاص، وعلمتِنا كيف نوزع هذا الحب على بعضنا البعض أنا وإخواني وأخواتي، زرعت فينا التفاني من خلال تفرغك لرعايتنا، والاهتمام بشؤوننا، وقدمت الكثير لنا مبتغية في ذلك وجه الله، وأن تترك لهذه الأمة وهذا البلد لبنة صالحة في منزل معمور أحسب أن في أفراده جميعاً كبيرهم وصغيرهم ذكرهم وأنثاهم بذرة صالحة نافعة للمجتمع والله حسيب. إخواني وأخواتي الغالين: لنا الحق أن نفخر جميعاً بهذه الوالدة الغالية، والأم المثالية، ومحبتنا للفقيدة توجب علينا أن نواصل مسيرتها، ونسعى إلى تحقيق آمالها،وازاء هذه المصيبة التي ألمت بنا وأصابت قلوبنا ليس أمامنا إلا الصبر على قضاء الله والاحتساب، والتوجه إلى الله بأن يتغمدها بواسع رحمته، وأن يسكنها فسيح جناته ونقول ما أمرنا الله به عند وقوع المصيبة (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا). أما أنت يا سيدي ووالدي الغالي: فلك مني خالص الدعاء بأن يحفظك الله بطول العمر، موفور الأجر، بما قدمت لرفيقة دربك، من حنان مغلف برجولة، ومن صبر وتفانٍ مغلف بقلب كبير، لقد عرفناك أيها الأشم سمحاً محباً متواضعاً وبسيطاً في كل أمور حياتك، لقد أعطيتنا من فضائلك وكرست حياتك حفظك الله لتأنس لنا ونأنس لك، كنت ولازلت تتحدث إلينا بلغة واحدة هي لغة الصدق والحب والتسامح والحنان، حقاً إنها لغة الأبوة ولسان المسلم. سيدي الغالي: اسمح لي بأنه على الرغم من أن المصاب جلل، وأعرف تماماً قدر إيمانكم وعزيمتكم، وبقدر ما أعي مدى تأثرك برحيل غاليتك ورفيقة دربك، إلا أن لنا أملاً في شيء تعودناه منك، ألا وهي الروح المرحة، والحضور الأبوي المميز، أسأل الله أن يحفظك لنا، وأن يعينك بالصبر والسلوان على الفقيدة الغالية، وألا يحرمنا من طلتك البهية، وابتسامتك المعهودة، وروحك المرحة، وتوجيهاتك السديدة، فإليك أيها الغالي كل الاحترام والتقدير وخالص الدعاء مني ومن جميع إخواني وأخواتي. أيها الأب الحنون كما أسأله جلت قدرته أن يجمعك بوالدتنا الغالية في جنات النعيم والحمد لله رب العالمين.