بعد الفوزين الكبيرين اللذين حققهما منتخبنا الوطني على نظيريه الإيراني والإماراتي انتشرت العديد من رسائل الجوال التي لا تعبر –للأسف الشديد- عن الفرح الذي تسرب لشرايين الوطن التي ظلت متجلطة طوال الدور الأول من تصفيات المونديال، وإنما أظهر مدى تفشي أنيميا الفكر لدى بعض من ابتلى بهم وسطنا الرياضي حتى ممن يتواجدون على كراسي المسؤولية. تلك الرسائل كانت تتقيأ تعصبا مقيتا، إذ لا هدف منها سوى تكريس التطرف في الولاء للأندية على حساب منتخب الوطن إلى حد أيقنت عنده بأن ثمة رياضيين كثر يعيشون في غيبوبة وعي تحتاج إلى تدخل سريع حتى لا تدخل رياضتنا بسببهم في حالة وفاة سريرية. واحدة من تلك الرسائل التي تلقيتها والتي تظهر حجم الأزمة وصلتني من زميلنا الراقي مظهرا وجوهرا سعد المسعود مقدم البرامج في القناة الرياضية والذي كتب لي قبل ان يرسلها يقول: "إليك هذه الرسالة التي وصلتني من مسؤول بأحد الأندية.. الله يخلف على أنديتنا وجماهيرنا إذا كانت بهذه العقلية والسخافة"، ثم أرسل الرسالة التي استميح القارئ المحترم عذرا لعدم نشرها؛ لأنها تحمل كلمات يتعفف عن كتابتها حتى من أدمنوا الكتابات الرخيصة في دورات المياه القذرة على قارعة طرقنا السريعة، لكنها –حتما- تعبر بجلاء عن بيئة صاحبها الذي يفترض أن يكون مكانه الحقيقي وهو بهذه النتانة الفكرية في إحدى المزابل، لا في نادٍ يفترض أن يكون مزرعة للوعي الرياضي والاجتماعي والثقافي. استيائي من هذه العقليات الإسمنتية التي لازالت رابضة على صدر رياضتنا يعود ليقيني أن رسائلها ليست مجرد كلمات رخيصة تجني أرباحها شركات الاتصالات، وإنما لأنها أشبه ما تكون بألغام تزرع لاغتيال عقول جيل جديد يفترض أن يستفيد من التقنية الحديثة بما يخدمه ويخدم الوطن في كافة المجالات ومنها المجال الرياضي الذي يعد الحاضن الأكبر لشريحة الشباب. المشكلة الكبرى أن بعض مسؤولي الأندية يعيشون في مشهدنا الرياضي بدورين، أحدهما يمثل فيه دور رجل الخير والنزاهة، وهو الدور الذي يسنده إلى نفسه حينما يصعد على خشبة المسرح لمواجهة الجمهور ليفوز من خلاله بالنصيب الأكبر من التصفيق، ودور آخر وهو الدور الحقيقي الذي يظهر فيه خلف الكواليس على حقيقته دون نص مكتوب، ولا سيناريو مرسوم، وبلا أي مساحيق تجميل، وفيه يمارس كل أدوار الشر ومنها تصدير ثقافة الكراهية في وسطنا الرياضي. وإنني إذ أطالب بتعرية أمثال هؤلاء الملوثين بالأمية الثقافية والمصابين بحمى الحقد، فإنني أيضا أدعو للعمل على الحد من انتشار عدوى الفكر المتكلس بالضغينة والموبوء بالتعصب، ولن يكون ذلك إلا بتطعيم عقليات الجيل الرياضي الجديد بمصل الانتماء الواعي لمنتخب الوطن وأندية الوطن، ولتكن الانتفاضة "الخضراء" التي فجرها منتخبنا مؤخرا بداية الحملة التي أتمنى أن تصل لذروتها في استاد الملك فهد الدولي حينما نواجه منتخب كوريا الشمالية في آخر مباريات التصفيات حيث ننتظر أن يزف "ياسر ورفاقه" الفرح لكل أرجاء الوطن بالتأهل الخامس للمونديال لنطلق معهم رسائل الحب لنعطر بها سماء الوطن، بدلا عن رسائل الشحناء التي سعى الموتورون لتلويثه بها.