توقفت كثيراً عند قول الشاعر العظيم ناظم حكمت، وتداعت في ذهني مشاعر هي خليط بين الحزن والشقاء والعذابات، وبين الإيمانات بأن الإنسان قيمة كبيرة في هذا الكون ليس من حقنا أن نصادر حرياته، ولا نلغي قدراته. ولا نفرض عليه أنماط وعي، أو ثقافة، أو مسار حياة. ولا نقولبه حسب مفاهيمنا الذاتية، أو إراداتنا الشخصية بل نترك له الفضاء رحباً واسعاً ممتداً ينتج، ويبدع، ويمارس الخلق من خلال مناخات صحية جميلة هادئة. عند ذاك نكون قد آمنا بالإنسان كعقل، وتميز، وتفوق، وحرضنا الطاقات المختزنة في داخله على الانعتاق، وممارسة العطاء كينابيع تجري لتكرس الحياة، والخصب، والنماء. فالإنسان طاقات هائلة وكبيرة لو استغل جزءاً منها لدان له العالم بأسره. يقول ناظم حكمت. «عش دنياك كأنها بيت أبيك. ثق بحبة القمح. ثق بالأرض. ثق بالبحر. ولكن. ثق أكثر من ذلك بالإنسان. ٭٭٭ أحس بحزن الغصن الذي يجف. بحزن النجمة التي تنطفئ. بحزن الحيوان العليل. ولكن. أحس قبل ذلك بحزن الإنسان. ٭ ٭ ٭ كل نغمة في الأرض، تعطيك السرور. النور والظلمة، يعطيانك السرور. الفصول الأربعة، تعطيك السرور. ولكن. الإنسان أعظم مسراتك..» هكذا حاول ناظم حكمت أن يقترب من تأصيل مفهوم أن الثروة الحقيقية هي الإنسان. وأن لا قيمة للأشياء، والمظاهر الحياتية دون الاعتناء بالإنسان. وأن تحقيق الانتصارات، والنجاحات، والمكاسب، وانبهارات التفوق هي من نضالات الإنسان كفرد، أو كمجموع. لذا فإن أي إهمال له، أو قفز فوق طاقاته، وإمكاناته هو تعد سافر على دينامية المجتمع، وحركة تطوره، وانفتاحه. وتهميش لدور الإنسان فيه. علينا في كل مواقعنا أن نجعل الإنسان هدفاً. أن نجعل فتح الفضاءات الإبداعية أمامه هدفاً. أن نجعل تكريس مشاركته في النمو، والتحديث هدفاً. أن نجعل تفجير طاقاته، ومواهبه، وإبداعاته هدفاً. الحياة تعمر بالإنسان، تبتهج بالإنسان، تكون أكثر روعة بالإنسان.