في الماضي، في الثمانينيات ليس أبعد. نعود بعد أشهر من الغياب نجد أن كل شيء واقف في مكانه احتراما للقاعدة التي كان يرددها الناس: الله لا يغير علينا. تعبير موفق ومفصح عن الجمود. كان يردد في صفوف الناس البسطاء ولكن من فرط جودته وتعبيره عن الحال انتقل إلى قلب الإعلام وأصبح تعويذته التي يستمد منها بقاءه وقيمته وقوته. كان هناك صف طويل من البشر يمكن أن تتخيلهم عندما تتذكر صف الكورال في احدى الأغاني العربية المصورة. يقول المطرب كلمات الأغنية ويبدل ويعدل على كيفه أما الكورال فيردد مقطعا منها على كثرتهم رجالا ونساء لا يستطيع هذا الكورال إلا أن يكون كورالاً يردد بصوت واحد ومنغم ومنسجم (آمين). وأي نشاز أو تغيير في طبقة الصوت أو حتى محاولة للإضافة يحذف هذا الكورال ويستبدل بمن هو أكثر انسجاما منه. الصحفيون والكتاب خُلقوا كورالاً وقدرهم في ذلك الزمن أن يموتوا كورالات، لكن ضعف الكورال الثقافي وعدم ولائه أظهر طبقة جديدة من الإعلاميين وسطاً بين الكورال الصحفي، وبين المنشد الرسمي. استمتعتْ هذه الطبقة بحق البقاء كورالاً أو القفز من صفوف الكورال (بالجد والاجتهاد) وفتح حلقة إنشاد جديدة. وظيفة هؤلاء ليست إعلامية محضة وليست إنشادية محضة. تراهم إعلاميين من جهة، ومنشدين من جهة أخرى .. فترة التحول إلى منشد رسمي قد تطول وقد تقصر لكنها صارت في أيامنا هذه تطول كثيراً وربما تطول إلى الأبد. من سبق لبق. ظهرت عقبات كأداء تقف في وجهه هذه الأيام ليتحول إلى منشد. كما أن الكورال الصحفي القديم تناقص ومن بقي منهم لم تعد آمينُه مدوية تخترق الصفوف. بعض الصحفيين تمرد على دور الكورال ونزل عن المنصة ومن بقي منهم أصبح يخجل منها. حتى الكورال تناقص هو أيضا. لم تعد الفرصة مفتوحة كما كانت في السابق. اشتم حرّم كرّه ادعُ على الناس والدول واحكم بالقتل. لن تفتح في وجه صاحبها منصة يتجمع حولها عدد من الصبية الصغار ليتحول إلى منشد وهناك من يرقص وراءه. لم يعد هذا سهلا. حالات كثيرة نشاهدها هذه الأيام. فالكورال يبقى كورالاً مهما انبح صوته وهو يردد آمين منغمة منسجمة. مهما دافع عن التكفير وعن القتل وعن الجهل وعن احتقار المرأة، مهما كتب في الجرائد وألقى محاضرات وتنجم تلفزيونيا، مهما أهلك نفسه وهو يدور على المراكز فسيبقى كورالاً ليس له من دور سوى أن يردد خلف المنشدين الذين فازوا أيام طفرة الإنشاد. هل انتهى عصره؟ سؤال المستقبل القريب.