قبل ربع قرن تقريبا قرأت تقريرا مفاده أن اليابانيين أذكى شعب في العالم .. لست متأكدا أين ولا متى ولا حتى مصدر هذا الادعاء ولكنه رسخ في ذهني حتى يومنا هذا .. ورغم قناعتي بعدم وجود "شعب الله المختار" أو مجتمع متفوق بطبعه ؛ إلا أنني مقتنع أيضا بوجود أنظمة تعليمية وعادات غذائية يمكنها تحفيز الذهن ورفع المتوسط العام لأي مجموعة بشرية .. واليوم أصبحت على قناعة بأن الخبر الذي قرأته في طفولتي عن ذكاء الجابنيز صحيح في عمومه وغير مستبعد بمجمله .. وقبل أن أخبركم (كيف) أريد التأكيد أولا على أن حديثي لا يتعلق بذكاء الأفراد حيث يوجد في اليابان أغبياء وأذكياء مثل أي مجتمع ولكنه يتعلق ب"مُحصلة" الذكاء العام و"متوسط" الدرجات التي تحققها المجتمعات في اختبارات الذكاء الموحدة ... وبهذا الخصوص يتقدم اليابانيون بالفعل على شعوب العالم في متوسط الذكاء والإبداع العام .. وهذه الحقيقة يمكن اعادتها للنظام التعليمي الممتاز الذي تتميز به اليابان منذ عهد الامبراطور ميجي، كما يمكن إعادته أيضا إلى النظام الغذائي الصحي الذي يعتمد في مجمله على صيد البحر .. فاليابان لم تتخلص فقط من الأمية (منذ أربعة أجيال) بل وتملك نظاما تعليميا يركز على استنباط واستنتاج المعلومة منذ سن الثالثة .. ومن المعلوم أن تحفيز الذهن في سن مبكرة يرفع من مستوى الذكاء الفردي حتى نهاية العمر (خصوصا بعد إثبات دوره في بناء المزيد من الروابط العصبية في الدماغ) . كما تشكل المواقف الذهنية (المبكرة) أساسا للتعامل مع أنماط ذهنية أكثر تعقيدا في المراحل العمرية التالية .. واليوم لا يتفوق طلاب اليابان في اختبارات العلوم والرياضيات فقط بل ويبزون طلاب العالم في متوسط الذكاء والقدرة على الإبداع والابتكار وحل المعضلات !! ... أما من حيث جودة النظام الغذائي ، فيتفوق اليابانيون أيضا في تناول الأطعمة الصحية المسؤولة عن رفع معدل الذكاء الفردي .. فاليابان بلاد جبلية ضيقة (لدرجة لا يبعد أي انسان عن الساحل بأكثر من مائة كيلومتر) ويعتمد أهلها بشكل أساسي على طعام البحر ! ... وطعام البحر (الذي يستهلك منه المواطن الياباني أكبر نسبة في العالم) يتضمن عناصر ثبت دورها في رفع معدل الذكاء وحماية الدماغ من الخرف والشيخوخة والشلل الرعاشي .. فالسمك مثلا يتضمن حمض دوكوساهسنوك (ويرمز له اختصارا ب DHAa ) الذي ينشط نقاط الاتصال العصبي في الدماغ ويسرع من انتقال النبضات العصبية في مخ الانسان .. أضف لهذا يتضمن دهونا صحية غير مشبعة تساهم في بناء وترميم مادة الدماغ نفسها خصوصا أوميجا3 الذي ثبت دوره في تحفيز الانتباه والذاكرة وأصبح الأطباء يصفونه اليوم لهذا الغرض .. وهذه الحقيقة لا تتناقض بالطبع مع جودة النظام التعليمي في اليابان بل على العكس تسانده وتعاضده وترفع من نتائجه .. وفي المقابل تخيل رعاك الله نتائج خلط لحم الحاشي والنعيمي مع مادة النصوص ومُدرس التاريخ وحصة الكورة ... !
