يحكي لنا القرآن الكريم قصة النبي يوسف عليه السلام وتفسيره لحلم فرعون مصر بالسنين السبع العجاف التي تتلوها سنون الرخاء. وحكاية السبع سنوات العجاف التي تتلوها سنوات رخاء تتكرر في المجتمعات القديمة، وقد ظهرت بشكل جلي في مجموعة «دورة بعل» القصصية التي تعود إلى الحضارة الأوغاريتية التي بلغت أقصى ازدهار لها خلال القرن الرابع عشر قبل الميلاد، قبل حضارة الإغريق والزعم ان أصل الآداب كلها منهم. وهذه المجموعة القصصية تعتبر واحداً من أهم الأعمال الأدبية التي استخرجت من موقع رأس شمرا على الساحل السوري الشمالي والمسجّلة على ألواح من الطين باللغة الأوغاريتية. وتنبع أهمية هذا العمل في أنه يشكّل أول مجموعة قصصية مكتوبة عرفها الإنسان أو كشفت عنها الحفريات حتى الآن. وتحكي المجموعة، كما يدل عنوانها، قصة دورة مناخية تدوم سبع سنوات عجاف يسود فيها الجفاف والمجاعة ثم تتلوها سبع سنوات رخاء ينزل فيها المطر وتخضرّ الأرض. ويبدو أن البناء القصصي للمجموعة يقوم على محاولة لإيجاد تفسير لحدوث تلك الدورة من السنوات العجاف ثم ما يتلوها من سنوات خصب ورخاء، أو انه يمثل الأمل بعودة المطر والاحتفال والاحتفاء بزوال الجدب والجفاف. كما يدلّ اختيار الشخصيات في هذه المجموعة وإلباسهم مسحات ألوهية تعظيمية على مدى أهمية نزول المطر ونمو المحاصيل عند أهل أوغاريت الذين تقوم حياتهم على الزراعة. وتبدأ المجموعة القصصية بمعركة بين «بعل» و»يم»، وبسبب فقد أجزاء من النص قد لا تبدو الأحداث منطقيّة. ثم نرى «إيل» الذي يقيم على ملتقى المحيطات والأنهار (على الماء) والذي له سلطة على باقي الشخصيات (قد يكون هو أساس الإله الواحد) يقوم باستدعاء الحرفي الماهر «كوثر وخسيس» (وبسبب تتابع الترجمات من لغة إلى اخرى قد يحصل تحريف للمسميات) ويأمره ببناء قصر لِ «يم» بسرعة. وعندما يعلم «آذار» بذلك يأخذ مشعلاً، ولا نعلم لماذا لأن جزءاً من النص مفقود، ولكنه يتواجه مع «شباط» الذي يخبره ان «إيل» يهب قوة ملكيّة لِ «يم» فالمعارضة غير مجدية. ثم يشتكي «آذار» من ان لا مكان له ولا موقع ولذا يخاف من الهزيمة على يد «يم». فيقترح «شباط» ان السبب يكمن أنه من غير زوجة. ويبدأ جزء آخر من المجموعة بِ «إيل» جالساً على عرشه وحوله باقي الشخصيات التي تتذمر من أن عاراً قد لحق بِ «يم» والسبب القصر الذي بُني له، وتهدّد بالقيام بدمار شامل إن لم تُحل القضيّة. فيعطيهم «إيل» لبناً، وهذه علامة احترام وتقدير، ويخبر «يم» أن عليه أن يُخرِج غريمه «بعل» من مركزه. وتستمر القصة بِ «كوثر وخسيس» وهو يخبر «يم» أنه قد حصل على مركزه بوقاحة وأن «بعل» لن يقف متفرجاً على الوضع، ويهدد بأن «يم» سوف يتم هلاكه بسلاح سحري. ثم يقوم «يم» بالتواصل مع «إيل» على جبل «ليل» فيستجيب له «إيل» ويطلب من «بعل» أن يستسلم. ولكن «بعل» يهاجم عندما يعلم بذلك، فتمنعه «عنت» ويمنعه «آذار» من الهجوم. وتستمر قصص المجموعة بصراع بين «بعل» و»يم» القوي. ويقوم «كوثر وخسيس» بتشجيع «بعل» بالتأكيد له بالنصر في النهاية ويعطيه هراوتين مقدستين (وهما البرق) ليضرب بهما «يم» الذي ينهزم ويموت. ثم يطلب «آذار» من «بعل» أن يذرّ بقايا خصمه ويعلن بصوت عالٍ أن «يم» قد مات وأنه هو الملك. وتستمر فترة سيادة «بعل» سبع سنوات ينتشر فيها الرخاء وينزل المطر. وفي الجزء الأخير من «دورة بعل» يبدو الصراع بين «بعل» و»موت» الذي يكشف عن عطشه للدماء ورغبته في قتل «بعل». ويخاف «بعل» ويلجأ إلى «إيل» الذي يرسل أضاحي من الحيوانات لافتداء «بعل»، وللمزيد من الحيطة يتم وضع شبيه لِ «بعل» كي يقضي عليه «موت» ويتم إخفاء «بعل» فيختفي المطر ويسود الجفاف وتعم المجاعة، ويوضع «آذار» محل «بعل» ليلتبس الأمر على «موت» الذي يلاحظ انه قد استبدل. ويستمر النص لنجد أن «عنت» أخت «بعل» تستمر في البحث عنه حتى تفقد الأمل فتهاجم «موت» وتقتله، ويعود «بعل». ولكن بعد فترة يُبعث «موت» من الموت! ويتقاتل الاثنان حتى ينحاز «إيل» إلى جانب «بعل» فينتصر. وقد تكون هذه المجموعة أحد الأدلة على كيفية تحوّل مجتمع من المجتمعات عن التوحيد في العبادة والاتجاه إلى تعظيم يصل بعد مراحل وفترات زمنية طويلة إلى تأليه عدد من الشخصيات (حقيقية كانت أو أسطورية) بسبب ارتباطها المباشر بحياة ومصائر الناس. هذا التعظيم الذي يصل إلى التأليه يصبغ شخصيات مجموعة «دورة بعل» القصصية، وأبرزهم: إيل: وهو الشخصية المحركة لباقي الشخصيات. وقد يكون اسمه مستمد من إله او الله. بعل/ حدد: الرمز الواحد (ولن نقول إله) للخصب والمطر، فالبعل في اللغة العربية هو الزراعة اعتماداً على المطر بدون السقيا. وهذا بالضبط ما يوحي به وجود هذه الشخصية. يم: هو البحر، ولا تخفى الصلة بين تكثف ماء البحر وحصول المطر. موت: ويمثل الموت والفناء. عنت: وقد يكون اسمها مشتقا من المشقة فهي التي تعاني من فقد شقيقها بعل. كوثر وخسيس: وهو رمز الحرفة والصناعة. آذار: وهو اسم معروف لأحد الأشهر السريانية ولعل الكلمة مشتقة من جذر» هدر» ومعناه الصوت والصخب، وذلك نسبة لما يقع فيه من عواصف ربيعية شديدة الريح، كثيرة البروق والرعد. شباط: وهو أيضا اسم أحد الشهور السريانية، وتسود خلاله الرعود والعواصف.