سعت جامعة الملك سعود، قبل أيام عبر إعلانها المعنون ب "دعوة للمشاركة، بكم نحقق الريادة "على الصحف المحلية، إلى رصد آراء ومقترحات كافة شرائح المجتمع حول المشروع القائم على إعداد الخطة الإستراتيجية طويلة المدى للعشرين سنة القادمة، وأرادت كذلك تعزيز الشراكة بين الجامعة وقطاعات المجتمع المختلفة، من أجل الوصول إلى تحسين كفاءتها وجودة مخرجات التعليم لديها، وهي ترمي على حد زعمها إلى تحقيق الريادة العالمية. يشير ذلك التحرك في رأيي الشخصي إلى أن لدى هذه الجامعة إدارة عامة، ذات طابع يتسم بالشفافية، والمبادرة، ورؤية تنموية مستقبلية. أود أن أمهد قليلاً إلى ما سأطرحه بين أيديكم في الأسطر القادمة. لنذهب وننقب في التاريخ، ونقلب صفحات الماضي حتى نصل قرناً من الزمان، سنجد حتماً أن الزراعة والمجتمع الزراعي كان هو المسيطر والمهيمن على الاقتصاد، ثم احترف بعد ذلك الإنسان الصناعة، مما أدى إلى نشأة المجتمع الصناعي، وكانت الصناعة هي القوة الاقتصادية المتحكمة في الدول وشعوبها. أما الآن فنحن في عصر النوادر، حيث بدأ عمل اليد يتلاشى وحل محله عمل الفكر، ثم أشرقت شمس الاقتصاد اللامادي، أعني بذلك الاقتصاد المعرفي المبني على المعلومة والعلم بها والتعامل معها. الآن أعود إلى صلب الموضوع، وهو لماذا لا تبادر جامعة مثل جامعة الملك سعود في الحث على إنتاج بحوث علمية جادة تتعلق بمجال مجتمع المعلومات؟. بل لماذا لا تقوم بإنشاء تخصص لدراسات مجتمع المعلومات؟. هذه المطالبة ليست جديدة في الساحة الأكاديمية العالمية، حيث جاهد من أجلها علماء متخصصون منذ ما يقارب الثلاثون عاما.فقد ذكر الدكتور محمد فتحي عبدالهادي أستاذ علم المكتبات والمعلومات في كلية الآداب بجامعة القاهرة في كتابه (مجتمع المعلومات بين النظرية والتطبيق) أن: " أليستير دف Duff نقلاً عن ميشيل كرستيزى Keresytesi أوجز المراحل التي تمر بها ولادة تخصص جديد مشيرا إلى أن ولادة التخصص العلمي ترجع إلى بعض المفكرين العظماء أو الفكر الرائد الذي يظهر فجأة ببعض الأفكار الأصيلة، وأن هناك ثلاث مراحل : في المرحلة الأولى يحدث نضال من أجل جذب الانتباه نحو التخصص الدولي من العلماء من هيئات مختلفة، وتتميز هذه المرحلة بالاهتمام بالمنهجية وبتشكيل أو إنشاء الجمعيات الوطنية والدولية. ونأتي إلى المرحلة الثالثة وهي مرحلة التأسيس حيث يتم التعامل مع كل الشكوك حول الشرعية الفكرية، ويتم الاعتراف الأكاديمي ويدخل في الأقسام الجامعية، وتقوم مقررات دراسية لطلاب المرحلة الأولى ولطلاب الدراسات العليا، وتصاغ المعايير للاعتماد العلمي أو المهني. وطبقاً لهذه المراحل فإن تخصص "مجتمع المعلومات" قد اجتاز المرحلة الأولى حيث نجد أن الفكر الطليعي أو الرائد هو فكر فريتز ماكلوب Mach lup (1902 - 1983)، وقد تم تخطي النضال من أجل جذب الانتباه، وفيما يتعلق بالمرحلة الثانية فإن هناك اهتماماً بالتخصص على مستوى دولي، إلا أن دراسات مجتمع المعلومات ما تزال تحتاج إلى مواصلة الاستغراق في المنهجية، وفيما يتعلق بالمرحلة الثالثة، نجد أن بعض السلطات الأكاديمية أعطت لبحوث مجتمع المعلومات مستوى محترما يتناسب مع مرحلة التأسيس، وكذلك يتم تنفيذ عدد كبير من المقررات في هذا المجال لطلاب المرحلة الجامعية الأولى ومرحلة الدراسات العليا. ويمكن أن نستخلص من العرض السابق أن مجال "مجتمع المعلومات" بدأ يحظى بالاعتراف كموضوع يستحق دراسة أكاديمية كمقرر أو كعدة مقررات في البرامج الجامعية، سواء على مستوى المرحلة الجامعية الأولى أو على مستوى الدراسات العليا". *باحث في مجال مجتمع المعلومات [email protected]