مفهوم جداً أن تلجأ احدى الشركات العاملة في التجارة أو الصناعة او في مجال البناء والعقارات أو اي نوع آخر من الانشطة الاقتصادية، الى اسلوب تخفيض عدد العمال لديها عندما تكون في أزمة مالية، وهذا في الحقيقة أحد الحلول التي لجأت وتلجأ إليها كبرى الشركات العالمية،وهو احد حقوق الشركة التي لا يمكن ان تسأل عنها، في حال كانت خاسرة أو في طريقها نحو الخسارة،وهو امر معمول به وقد يغطيه القانون أيضاً،لكن من غير المفهوم أبداً ان تستغل بعض الشركات الأزمة المالية العالمية كعنوان عريض لتمرير إجراءات قاسية بحق العمال، تبدأ بتخفيض أجورهم، وتنتهي في معظم الاحيان بتسريحهم من أعمالهم من دون إعطائهم حقوقهم كاملة،أو إشعار مسبق بذلك أو ما يكفي لاستمرار حياتهم في البلدان التي يعملون بها، وهم الذين امتصت هذه الشركات قوتهم على مدى سنوات لتكديس الثروات والأموال الطائلة وبناء الأبراج الشاهقة والقصور الفارهة. ونحن نتطرق لهذه المسألة لا نقصد في الواقع جهة او شركة أو مؤسسة بعينها، لاننا إن فعلنا نكون قد حجبنا نصف الحقيقة أو معظمها، وانما نتكلم بشكل عام، واستنادا الى ما كفلته القوانين للعمالة الأجنبية من حقوق وواجبات، ففي الآونة الأخيرة وبالتحديد بعد انتشار أخبار الازمة المالية العالمية،والخوف والذعر من هولها، اصبح من المتعذر علينا إحصاء يوم لا نسمع فيه عن مشكلة أو قضية، يكون فيها العمال ضحية موقف جائر اتخذته هذه الشركة او تلك المؤسسة تحت مبرر واحد وهو الأزمة المالية! آلاف العمال سرحوا من وظائفهم في أكثر من دولة خليجية، بحجة الازمة المالية، فيما لم يعرف بعد ما إذا كان هؤلاء العمال قد أخذوا كل مستحقاتهم،وتسريحهم و(تسييبهم) في البلد عشوائيا او ما يكفيهم للمستقبل، خاصة وان منهم عددا كبيرا قضى سنوات شبابه كلها في العمل في هذه الشركة او تلك، أسئلة كثير يثيرها ما نسمعه ونقرأه في كثير من الاحيان في وسائل الاعلام، او ما يطرح في أحيان اخرى على لسان هذا العامل اوذاك، ومع اننا لا نملك في الواقع اية احصائية دقيقة لاعطاء صورة واضحة عن حجم هذه المشكلة الخطيرة، إلا انه من المفيد والمهم جدا الانتباه اليها كمشكلة تستدعي حلاً سريعا، لأن اي تباطؤ في التعامل معها له عواقب لن تكون سليمة ابدا، ليس على العمال فحسب وانما على سمعة الشركات التي يعملون فيها، وقبل هذا وذاك على سمعة دول الخليج عامة، وأمن البلد ايضا ،والذي كان على مدى عشرات السنين الملاذ الآمن للكثير من العمال الاجانب والعرب، الذين استطاعوا ان يؤسسوا لمستقبلهم بشكل جيد في ظل المناخ الاقتصادي السائد والبيئة الجاذبة للاستثمار والمستقطبة للعمالة العربية والأجنبية على حد سواء، وتحديدا في هذه المنطقة والاستقرار الأمني النادر والاستقرار السياسي الذي تمتعت به على مدى عشرات السنين. ومنذ الحديث عن الازمة المالية العالمية، اخذ قطاع العقارات تحديدا يتهاوى في منطقة الخليج العربي ، مسجلا خسائر وتراجعا كبيرين، تبعه إعلان الكثير من الشركات عن تسريح الكثير من العمال ، فعلى سبيل المثال أعلنت شركة نخيل العقارية التابعة لإمارة دبي أنها سرحت 500 موظف أي 15% من العاملين فيها بسبب الأزمة التي تهز هذا القطاع. وتلتها شركتا شعاع كابيتال وإعمار وشركات أخرى أعلنت أنها ستستنغني عن جزء كبير من موظفيها، وأوضحت شركة نخيل في بيان أن قرارها يشكل "تحركا مسؤولا نظرا للظروف الحالية في السوق العالمية"! وهو اكبر إعلان عن إلغاء وظائف في دبي منذ أن بدأت الإمارة المليئة بالمشاريع العمرانية الضخمة ومراكز التسوق والفنادق الفاخرة، تشعر بتداعيات الأزمة المالية العالمية.