رحل عبدالله بن محمد الحقيل «ابوهشام» وترك الحُبَّ والتواضع والانسانية في قلوب من ارتبطوا به من قريب او بعيد، مع عبدالله الحقيل - رحمة الله - تستطيع ان تتحدث بثقة عن مآثر وأخلاقيات وأعمال نموذج انساني رائع لاتجد من يختلف معك حوله . شخصياً اعتبر نفسي تعلمت الكثير والكثير من الراحل وبصورة غير مباشرة ومؤثرة في الوقت نفسه في تكوين الاسس التي اصبح مسار حياتي من خلالها، فتجربتي كمدير للعلاقات الإعلامية سابقا بالبنك السعودي البريطاني (ساب) اتاحت لي الفرصة للتعلم من ابوهشام بصور متعددة ومميزة في الوقت نفسه، فتواضعه الجم وابتسامته الدائمة يرحمه الله لم تكن تفرق ما بين الاشخاص الذين يعملون معه حسب درجاتهم الوظيفية ومسمياتهم، كان مبتسما وبذكاء،وكان مرنا وبثقة،وكان مدرسة متنقلة لتعليم فنون التواضع والهيبة في الوقت نفسه . كانت هيبته رحمه الله عفوية، لم يكن متجهماً ولم يكن مغروراً، طوله الشامخ بتواضعه وأخلاقه العالية لا يمنعانه وبشموخ أن يقترب بسمعه ونظره وحواسه ليستمع وبشموخ لوجهة نظر حول أمر ما وخصوصاً عندما كنت أعرض عليه أنا وأخي الكبير ومديري السابق عبدالعزيز المانع موضوعاً إعلاميا او استشارة بهذا الخصوص . ما هي وجهة نظرك انت !! سؤال كان يغدقني كثيراً به تواضع أبي هشام، مع إحساسي بالارتباك والهيبة والاطمئنان اثناء مناقشتي معه كنت أحسُّ بالابتسامة في عينيه رحمه الله، حتى تقبُّل التهنئة له عندما تم اختياره كعضو مجلس الشورى فيها ناحية سامية من التواضع المهيب، كان ذا هيبة متواضعاً، لم يُعط الحقيل اثناء رئاسته مجلس ادارة البنك السعودي البريطاني أي انطباع غير جيد،كما هو أحياناً لدى كثير من الموظفين عن رؤساء مجلس اداراتهم، كنت اعرف وعن قرب أخلاقيات أبي هشام عن طريق الزميل عبدالله العبدالجبار رحمه الله،فرغم صلة القرابة لم يكن مفهوم النفوذ المتعارف عليه في قطاعات الاعمال موجوداً مطلقاً في قاموس إدارة الراحل أبي هشام . كان رحمه الله رجل ادارة من النموذج الراقي، كان يؤمن بمبدأ أهمية التخصص،كان يعطي لمن حوله الثقة والهيبة، عندما كان الأمر على سبيل المثال طلب رعاية اعلامية او أي عمل إعلاني لاتجد عبدالله الحقيل يتدخل بصفته الرجل الاول، ولكنه كان يحيل هذه الامور للإدارة المتخصصة،بعكس ما نجده في الكثير من قطاعات الأعمال . كان إعلامياً من الطراز الاول، عندما كان بعض الإعلاميين يطلب بعض المعلومات الاقتصادية حتى ولو كانت حساسة كنت وبكل ثقة لا اتردد بطلبهم بالاتصال مباشرة بأبي هشام وأزودهم احياناً بأرقامه المباشرة وثقتي بهذا الرجل الواعي رحمه الله تزداد وتكبر، عندما يخبرني الإعلامي انه حصل على ما يريد ويتحدث بإسهاب عن الراحل وأخلاقياته . بزعمي اننا في البنك السعودي البريطاني وبإدارة الزميل القدير المانع اول منشأة تجارية كبرى اتحنا الفرصة للإعلاميين للتواجد بالقرب من انعقاد الجمعيات العمومية التي تمنع وزارة التجارة حضورهم لها بصفتهم الإعلامية، فكان - قبل وبعد هذه الجمعيات - ابو هشام كريماً ومرحباً معهم،وكان بدون أي قيود او دبلوماسية مع استفساراتهم، لم يكن يتعامل مع الإعلاميين الاقتصاديين بمزاجية، كان يعرفهم بالأسماء، لم يستغل مطلقا علاقته الكبير مع الاستاذ الكريم تركي بن عبدالله السديري لتكون اخباره او أخبار البنك (غير) في جريدة الرياض، لم تسهل هذه العلاقة الكبيرة لنا في العلاقات الإعلامية بالبنك لنشر ما نريد، بل كانت هذه العلاقة أكبر و أرقى من استغلالها، وليس مستغرباً هذا الامر عندما يكون الامر يتعلق بالعلاقة ما بين الكبار. تعلمت من ابي هشام ان التعامل مع الكتاب والإعلاميين يجب ان يكون على درجات كبيرة من التواضع والاحترام، ففي إحدى السنوات كتب أحد الكتاب في جريدة الجزيرة مقالاً نقدياً حاداًً وشديد اللهجة عن البنك، وعندما أحضرنا المعلومات المخالفة لمقال الكاتب وابتعاده عن الحقائق، وعند إعدادي للرد الإعلامي عليه كانت لغتي الكتابية مشحونة كما هو نسق مقال ذلك الكاتب، ولكن بُعد النظر والخبرة الإعلامية والاقتصادية لدى ابي هشام رحمه الله، خالفت خبرتي البسيطة، فقد طلب فقط وبأدب التواضع والأخلاق الإعلامية أن تُوضَّح للكاتب الحقائق التي كانت غائبة عنه دون تجريح أو غضب،أو مفردات مشحونة كما نقرأها بين الفينة والأخرى، بل طلب أن يكون الرد بأسلوب إعلامي راقٍ، كما هي أخلاقيات ابي هشام رحمه الله، فكانت دروسه في مجال العلاقات والإعلام مجانيةً وقيِّمةً بالنسبة لي كثيراً، رغم أنني لم اكن متواصلاً معه بشكل مباشر في كثير من الاحيان والظروف،لأنني كنت أحسد أخي عبدالعزيز المانع بهذا الخصوص والذي كان يبلغني بما يدور بينه وبين الراحل . كان البنك السعودي البريطاني ولايزال من المساهمين الكبار في الأعمال الخيرية ولكن وللأمانة كان الحقيل وباستمرار يوجه بدعم الجمعيات الخيرية وجمعيات تحفيظ القرآن وخصوصاً بالمدن والقرى الصغيرة ولم يكن يطلب ان يصاحب هذه التبرعات أي استغلال إعلامي، كتأكيد على سمو أخلاقيات عبدالله بن محمد الحقيل . عندما اكتبُ واتشرف بالكتابة عن الراحل أبي هشام أثقُ أنني أكتب عن إنسان يجمتع مع ما أكتبه كل من عرفه، وإن كنت اعتبر نفسي شامخاً كشموخه رحمه الله عندما اكتب وبحزن وانا اتذكر مواقفه الكريمة وإنسانيته الراقية.. صادقُ المواساة لكل اقرباء الراحل ولكل عائلة الحقيل والسديري والعبدالجبار ولكل من كان يعرف أبا هشام، رحمه الله واسكنه فسيح جناته وألهم اهله وذويه الصبر والسلوان. .