حينما يريد الإنسان التحدث عن عالم جليل وشخصية مثالية مرموقة وعلم بارز فهو يحتار من أين يبدأ خصوصًا أذا كانت هذه الشخصية لها جهود مؤثرة على مجتمعه و وطنه . طوى الجزيرة حتى جاءني خبر # فزعت فيه بآمالي إلى الكذب حتى إذا لم يدع لي صدقه أملا # شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي في يوم الثلاثاء الموافق 24-1-1430ه انتقل إلى رحمة الله تعالى فضيلة الشيخ / محمد بن عبدالله الزبن رئيس ديوان المظالم بالمنطقة الشرقية وحيث إن فضيلته من الأقران والزملاء والأصدقاء المخلصين فقد كان وقع هذا المصاب على نفسي شديدًا ومضاربه موجعه ولكن حين يرجع المؤمن ويوقن تمام اليقين بأن هذا قضاء الله وقدره فإنه يسلم ويحتسب الأجر والمثوبة عند الله عز وعلا . لقد كان رحمه الله عصامياً شق طريقه بنفسه معتمداً على ربه ثم على ما وهبه الله من ذكاء خارق وإدراك عميق وصبر على طلب العلم وتحقيق الهدف مولعًا بطلب العلم والنهل من مناهله منذ نعومة أظفاره فأنهى المرحلة الابتدائية والمتوسطة في وقت مبكر ثم التحق بمعهد إعداد المعلمين وعمل بعد تخرجه مدرسًا بالمرحلة الابتدائية في أول حياته العلمية إلا أن طموحه وحبه للعلم والنهل من مناهله جعله ينتسب للمعهد العلمي ببريده فحصل على الشهادة الثانوية عام 1389-1390ه ثم التحق بكلية الشريعة بمدينة الرياض منتسبًا وتخرج منها عام 1393-1394ه بتقدير مرتفع فعمل مدرسًا بالمرحلة المتوسطة بمدينة الدمام بعد تخرجه ثم انتقل إلى الرياض مدرسًا في المرحلة المتوسطة كذلك ؛ وقد حانت لفضيلة الشيخ فرصه التفريغ للدراسات العليا بالمعهد العالي للقضاء بمدينة الرياض فدرس بالمعهد منتظمًا بقسم السياسة الشرعية وحصل على درجه الماجستير في رسالته (( أحكام أهل الذمة )) عام 1399ه . فعين بعدها عضوًا بديوان المظالم بالمنطقة الشرقية وتدرج في مناصبه حتى وصل إلى قاضي تمييز رئيسًا للديوان نفسه حتى توفي رحمه الله وهو على رأس العمل . وقد تولى الصلاة والخطبة في جامع الخليل بمدينة العمال في مدينة الدمام عدة سنوات كان فيها يلقي الخطب الهادفة لمعالجة الكثير من قضايا أمته ووطنه موردًا لها الحلول المناسبة مشدداً على الالتزام بالوسطية وملازمة الجماعة داعياً إلى عدم الفرقة والسمع والطاعة لولاة الأمر أعزهم الله فكسب احترام الناس وتقديرهم كما كان له مشاركات متعددة ومختلفة في وسائل الإعلام وفي مناسبات مختلفة باذلاً نفسه للفتيا والرد على أسئلة السائلين في أي وقت وفي أي زمن . هذا ما يتعلق بالجانب العلمي لفضيلة الشيخ / محمد بن عبدالله الزبن رحمه الله أما الجانب الشخصي فقد صحبت فضيلته أكثر من إحدى وأربعين سنة في صالات دراسية وحلقات علمية ومناقشات جانبية فكان صاحب النقاش الهادف الموزون والرأي الصائب المقرون بالحجة والدليل البعيد عن التعصب والانتصار للرأي المحترم للرأي الآخر الباحث عن الحق والأخذ به . وقد كان رحمه الله شديد الحرص على مواصلة والديه والبر بهما وتفقد أحوالهما مقدماً مصالحهما على نفسه وولده ساعياً لرضاهما مؤثراً لهما بجميع ما يملك محباً للخير وبذل المعروف لجميع الناس بنفس أريحية وكرم عظيم للقاصي والداني ؛ هكذا كان رحمه الله في حياته ، وهذا ما انعكس أثره في يوم وفاته فحينما أم المصلين على جنازته معالي الرئيس العام لديوان المظالم بالمملكة فضيلة الشيخ محمد عبدالله محمد الأمين وعرَّف بصاحب الجنازة بقوله : الصلاة على فضيلة الشيخ محمد بن عبدالله الزبن رحمه الله رحمة واسعة . حتى أجهش جميع من كان في جامع الفرقان بالدمام بالبكاء داعين لفضيلته بالرحمة والمغفرة . ولقد أثلج الصدر تقدير ولاة أمرنا أعزهم الله لعلمائنا وإنزالهم منازلهم ، وما حضور صاحب السمو الأمير جلوي بن عبدالعزيز بن مساعد نائب أمير المنطقة الشرقية الصلاة علي جنازته وتعزية ومواساة أبنائه إلا دليل قاطع على ذلك جعل الله ذلك في ميزان حسناته . أبا أحمد : كنت أتمنى أنك سمعت تلك الأوسمة التي خلعها عليك من حضر جنازتك سواء في الجامع أو في المقبرة فقد اتفق الجميع على طيب معدنك ودماثة أخلاقك وحسن تعاملك وبذلك للخير والمعروف وإخلاصك في عملك وحرصك على مصلحة دينك ووطنك وهذا وربي شهادة تزكية من عباد الله لعبد من عباده والناس شهداء الله في أرضه ، فنم قرير العين مرتاح البال فوالله لا يخيب الله رجاءنا في قبولك بالصالحين وإسكانك جنة النعيم ، والله المسؤول أن يجبر عزاءنا فيك وأن يجعل في عقبك خير خلف لخير سلف وأن يلهمهم الصبر والمثوبة . أما كاتب هذه الأسطر فمصابه عظيم وكسره كبير بفقد أخ وصديق وحبيب طالما بث له همومه وشاركه في أفراحه وأتراحه وأزال من قلبه ما أغمه ، فأدعو الله أن ينزل السكينة على قلبي وأن يشرح صدري ويزيل همي ويفرج كربتي ويجمعني بأخي ووالدي وزوجتي بمستقر رحمته وبحبوحة جنته وإنا لله وإنا إليه راجعون . ولقد صدق من قال : ثلاث يعز الصبر عند حدوثها # ويذهل منها عقل كل لبيب خروج اضطرار من بلاد تحبها # وفرقة إخوان .. وفقد حبيب عبدالله بن سليمان بن عبدالله الضالع القصيم بريدة