بين الحين والآخر وفي غفلة منا تفاجئنا الأنباء والأخبار برحيل أحد الأعزاء من هذه الحياه الفانية، ومن هؤلاء الرجال الذين نحسبهم من طراز فريد ونسيج وحيد الدكتور عبدالله بن محمد العجلان - رحمه الله - الذي تميز بخلال مواقف لا يحيد عنها في كل الظروف فكان شامخاً كالأشجار التي تعيش وتموت واقفة، تميّز بثبات المواقف التي ما دام يعتقد أنها الصواب وأن المصلحة العامة تقتضي التمسك بها وعدم التفريط أو التنازل عنها مهما كانت الظروف ومهما تبدلت الأحوال أو تغيرت الأماكن والوجوه، كان - رحمه الله - يعتقد أن التنازل عما تعتقده الصواب ولو مرة واحدة فهو يعني أنك كسرت القاعدة وفتحت باباً للاستثناءات والمجاملات يصعب عليك، بل قد يستحيل عليك سده، فكان يرحمه الله يرى أن العدل يقتضي أن يطبق النظام على الجميع دون استثناء، بل كان يعتقد أنه إذا كان لكل شيء آفة من جنسه فإن آفة قوانين العمل وضوابطه تأتي من (الاستثناءات) وما يترتب عليها من خلل في كافة شؤون العمل. لذا كان لا يقبل أن يستنثي أحداً مهما كان مركزه أو مهما كانت درجة قرابته أو صداقته من قاعدة أو نظام أو لائحة ينتظم بها العمل، وقد ظل هذا ديدنه وأحد أهم ثوابته التي لا يحيد عنها ما كان على رأس العمل، كما لا أحسب أن أحداً من الموظفين العاملين معه أو المراجعين لمكتبه أو حتى رؤساؤه في العمل كان يضيق بمنهجه هذا وثباته على مواقفه مما كان يعتقده الصواب الذي يرتقي به العمل ويتحقق به العدل. هذا جانب من شخصيته بل ربما يعد هذا الجانب الأقوى في مكونات شخصيته كما عرفتها عن قرب إذ كان يؤمئذ وكيلاً للرئيس العام لكليات البنات، وكنت آنذاك مديراً ومشرفاً عاماً على مكتبه. ومن هنا لم أكن فقط الأقرب عنده، بل أيضاً الأقرب إلى فكره ومنهجه وثوابت عمله، والأكثر تأثراً وإعجاباً بها. هذا الإعجاب الذي تحول بعد ذلك إلى منهج في حياتي شخصياً، بل في حياة كثير ممن كانوا قريبين معه. وهذا غيض من فيض في سيرة هذا الرجل المبارك الذي كان شعلة من النشاط والعمل الدؤوب لا يعرف وقتاً للراحة حتى ينجز ما بيده من عمل، فلما تقاعد عن العمل بكليات البنات أختير عضواً بمجلس الشورى فظل يعمل فيه حتى وافته المنية صابراً محتسباً نحسبه كذلك والله حسيبه. غفر الله لأبي محمد وأجزل له المثوبة والأجر، جعل ما قدمه من جهد مخلص وعمل موفق لخدمة دينه ووطنه في موازين أعماله الصالحة وضاعف له به الحسنات وأسكنه فسيح جناته، وبارك في عقبه وذريته وجعلهم أبناء بررة لهذا الوطن المعطاء كما كان والدهم لا يألو جهداً في تقديم عصارة فكره وقلمه نبراساً يهتدي به المخلصون والأوفياء، وآخر دعوانا إن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير البرية وعلى آله وصحبه الغر الميامين. * جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن