رأى رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري أن هناك «محاولات لتكرار الظلم الذي وقع باغتيال الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري، وتنظيم حملات من شأنها إثارة البلبلة والقلق في نفوس المواطنين»، داعياً «الى التهدئة والابتعاد عن الانفعال والتزام الآداب السياسية والوطنية التي تعلمناها في مدرسة رفيق الحريري». وإذ شدد الحريري في افتتاح أعمال المؤتمر التأسيسي العام ل «تيار المستقبل» في مركز «بيال» للمؤتمرات أمس، على «أننا لا نبني أحكامنا أو وجهة نظرنا، على أي معلومات أو وقائع موجودة في عهدة التحقيق بجريمة الاغتيال»، اعتبر «أن الإجماع اللبناني على وجوب الالتزام بتحقيق العدالة مسألة غير قابلة للتأويل أو المساومة، وجزء لا يتجزأ من قرارات الحوار الوطني اللبناني، ومن البيانات الوزارية للحكومات المتعاقبة بعد جريمة الاغتيال، وكذلك من قرارات القمم العربية التي قاربت هذه المسألة وأكدت أهمية تحقيق العدالة في شأنها». وقال: «هناك من يتصور، أو يتخوف، أو يهول، أو ربما يتمنى، أن تكون قضية اغتيال الرئيس الشهيد، سبباً في اندلاع أزمة لبنانية أو فتنة مذهبية. ونقول بكل صدق وأمانة ومسؤولية، أن لا مكان في قاموسنا الوطني لهذه المخاوف والادعاءات أو حتى التمنيات». وأضاف: «وهب رفيق الحريري، حياته لسلامة لبنان وللاستقرار فيه، وليس هناك في سيرته الوطنية نقطة دم واحدة سقطت في ساحات الصراع على لبنان. رجل قاوم الحرب الأهلية في حياته، لن تكون روحه الطاهرة سبباً لتجديد الفتنة على أرض لبنان. فكفى تأويلاً، وكفى تهويلاً، وكفى استنفاراً لعواطف الناس». وكانت الجلسة بدأت في حضور ممثل رئيس الجمهورية وزير الدولة جان اوغاسابيان، فيما مثل النائب هاني قبيسي رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وحضر رئيس حزب «الكتائب» أمين الجميل، ونائب رئيس المجلس النيابي فريد مكاري، ووزراء ونواب حاليون وسابقون، ممثلو أحزاب، وشخصيات سياسية واجتماعية واقتصادية وعسكرية وأعضاء من السلك الديبلوماسي. كلمة الحريري واستهل الحريري كلمته بإهداء المؤتمر لروح والده «الرئيس الشهيد، وأرواح كل الشهداء الذين سقطوا على درب الحرية والسيادة والكرامة الوطنية»، مؤكداً أن «تيار المستقبل، تيار سياسي وطني لبناني، عربي الهوية والولاء، يسير على خطى الرئيس الشهيد، ويهتدي بمسيرته الكفاحية الطويلة، التي يقتدي بها عشرات الآلاف من الشبان اللبنانيين والعرب، والتي ستبقى بإذن الله، مصدر إلهام وثبات، لتيار المستقبل، وجمهور رفيق الحريري في كل جهة من جهات الانتشار اللبناني». وأشار الى أن التيار «سيكون على صورة ما عرفه لبنان والعرب والعالم، عن رفيق الحريري. صورة الشاب الذي جعل من أحلام الفقراء، حقيقة ساطعة في عالم الأثرياء. صورة المناضل الذي سلم قلبه وروحه لقضية فلسطين ووهبها أحلى سنوات العمر. صورة الرجل الذي صقلته الصحراء بحرارة الايمان وقوة الصبر وإرادة الاندفاع نحو النجاح. صورة الإنسان الذي يجد في الوفاء والصدق والمثابرة على عمل الخير، سبيلاً للارتقاء بنظام الحياة. صورة اللبناني الذي هاجر ليبقى في لبنان، وطرق أبواب النجاح بجهده وعرقه وعلاقاته، ليرفع عن لبنان كابوس الدمار والخراب. صورة الأب الذي أراد لأبوته، أن تتسع لأكثر من خمسين ألف طالب وطالبة، واتخذ قراراً تاريخياً بفتح أبواب الجامعات أمامهم في كل جهات العالم. صورة المقاول ورجل الأعمال والإعمار والبناء، الذي خاض الحرب ضد الحرب، وأسقطها على أبواب بيروت، ليعيد إلى العاصمة مكانتها التاريخية على خريطة المنطقة والعالم. صورة السياسي الذي حمل إلى لبنان رؤية الوطن الواحد ورسالة العيش المشترك، التي تعلو فوق نزاعات الطوائف. وصورة زعيم الديبلوماسية العربية، الوفي لقيم العروبة وقضايا الأمة، وحامل لواء الدفاع عن لبنان ومقاومة العدوان الإسرائيلي في كل العواصم والمحافل»، مشدداً على أن «لا خيار أمامنا إلا أن نحافظ على الأمانة. نلتزم الاستمرار بها وتطويرها مهما كانت التحديات». وتوقف عند «الهواجس السياسية والوطنية الحالية»، وقال: «تسألون عن حلم رفيق الحريري، وعن مصير مشروعه، وعن قدرة تيار المستقبل، على مواجهة العواصف التي تواجه لبنان. ولا أريد أن أقول لكم إننا في منأى عن العاصفة، وأنا كأي عضو في هذا المؤتمر، أرى يومياً بأم العين، حجم التحديات. لكنني أريد أن أؤكد لكم أن العاصفة التي لم تتمكن من القضاء على مشروع رفيق الحريري في الحياة الوطنية اللبنانية، لن تتمكن لا اليوم ولا غداً من اغتيال رفيق الحريري مرة ثانية». وقال: «الظلم وقع علينا قبل اغتيال الرئيس الشهيد، واستمر بعد تنفيذ جريمة الاغتيال، وهناك محاولات لتكرار الظلم، وتنظيم حملات من شأنها إثارة البلبلة والقلق في نفوس المواطنين. ونحن من جهتنا، ندعو الى التهدئة والابتعاد عن الانفعال، والتزام الآداب السياسية والوطنية التي تعلمناها في مدرسة رفيق الحريري. من المعلوم، أن أمر المحكمة الدولية، ليس طارئاً، ولا هو ابن هذه الساعة، وأن قضية اغتيال الرئيس الشهيد وسائر الشهداء، باتت قضية وطنية لبنانية وعربية ودولية، وأن الإجماع اللبناني على وجوب الالتزام بتحقيق العدالة مسألة غير قابلة للتأويل أو المساومة، وجزء لا يتجزأ من قرارات الحوار الوطني، ومن البيانات الوزارية للحكومات المتعاقبة بعد جريمة الاغتيال، وكذلك من قرارات القمم العربية التي قاربت هذه المسألة وأكدت على أهمية تحقيق العدالة بشأنها». وأضاف: «هناك من يتصور، أو يتخوف، أو يهول، أو ربما يتمنى، أن تكون قضية اغتيال الرئيس الشهيد، سبباً في اندلاع أزمة لبنانية أو فتنة مذهبية. ونقول، بكل صدق وأمانة ومسؤولية، أن لا مكان في قاموسنا الوطني لهذه المخاوف والادعاءات أو حتى التمنيات. ولا نبني أحكامنا أو وجهة نظرنا، على أي معلومات أو وقائع موجودة في عهدة التحقيق بجريمة الاغتيال. القضية بالنسبة إلينا، قضية مبدئية لا ترتبط بمسار التحقيق. إنها قضية التزام أخلاقي ووطني بحماية مجريات العدالة، وقضية التزام شرعي وقومي نتعاطى معها بروح المسؤولية لمنع الفتنة من النفاذ إلى وحدتنا الداخلية». واستعاد كلاماً «للرئيس الشهيد أن العدالة في تطبيق القوانين هي الوجه المكمل للعدالة في ممارسة الحرية». وقال: «والعدالتان بهذا المعنى، تلتقيان في معادلة واحدة، معادلة النظام الديموقراطي البرلماني، الذي يشكل مصدر القوة الرئيسي للتجربة السياسية، وضمانتها الأولى حيال ما تواجه من تحديات، وتيار المستقبل يتطلع لأن يكون تيار النظام الديموقراطي الفريد، الذي يكتسب حضوره المميز من الميثاق الوطني الذي نشأ عليه استقلال لبنان، وتحول مع اتفاق الطائف إلى صيغة دائمة للعيش المشترك». «حزب السنة» وشدد الحريري على أن «العيش المشترك ليس بديلاً من النظام الديموقراطي، بل هو مصدر قوة وتنوع لهذا النظام، وتعبير عن إرادة التلاقي والمشاركة والحوار الدائم بين مختلف مكونات المجتمع. من دون العيش المشترك يتخلى لبنان عن روحه، ويسلم نفسه الى الفوضى الطائفية. والاصطفاف الطائفي نقيض العيش المشترك والديموقراطية أيضاً. إنه دعوة إلى الانتقال بلبنان من الدولة إلى الساحة، وتكريس لثقافة ما يسمى بالديموقراطية الطائفية، التي نرى أن استمرار العمل بها من شأنه أن يراكم الخلل في حياتنا الوطنية والديموقراطية»، وقال: «نراهن على تطويق هذا الخلل، ولا نجد خياراً أمام تيار المستقبل سوى العمل على كسر حلقات الاصطفاف الطائفي، والانخراط في نهج وطني يعني كل شرائح المجتمع، ليدفع بلبنان نحو واقع ديموقراطي متجدد، قادر على الإنعتاق من هذا الأسر الطائفي الظالم، والتوصل إلى دولة مدنية حديثة. هذا هو التحدي الكبير الذي نطرحه على أنفسنا. تحدي مواجهة المأزق الطائفي». وتوقف عند أن يكون «هناك من يعتقد وسيروج، أن هذا المؤتمر، يضع حجر الأساس لحزب السنة في لبنان، وأن تيار المستقبل سينضم إلى قافلة الأحزاب الطائفية والمذهبية»، معلناً «أن تيار المستقبل لن يحمل هوية مذهبية أو طائفية أو مناطقية. وأن المدى الذي يمثله السنة في لبنان وفي هذه المنطقة من العالم، لن يختصر في حزب أو تيار أو حركة. إذا اخترنا أن نكون على صورة رفيق الحريري، فهذا يعني أننا اخترنا لتيار المستقبل أن يكون على صورة لبنان، وأن يعمل على مساحة كل لبنان، يلتزم قضايا هذا الوطن ونظامه الديموقراطي، ويعبر عن تطلعات أبنائه، بكل طوائفهم وفئاتهم الروحية والاجتماعية». إسرائيل لن تتمكن... وقال: «لبنان ليس جزيرة معزولة عن هموم المنطقة وقضاياها، بل هو ومنذ عقود طويلة، لم يتوقف عن التفاعل مع هذه القضايا، وقد دفع في مراحل عدة، أثماناً غالية من استقراره وتقدمه، لوجوده في قلب العاصفة الإقليمية. مرت على لبنان أهوال كثيرة، وحروب صغيرة وكبيرة، وواجه في أقل من أربعة عقود، ستة حروب إسرائيلية، من أعنف الحروب التي سجلت في تاريخ الصراع العربي - الإسرائيلي. واستطاع لبنان على رغم ذلك، أن يتجاوز العاصفة تلو العاصفة، وأن يقول لكل العالم، أنه دولة جديرة بالحياة والتقدم. وإسرائيل، لن تتمكن من لبنان، طالما عرف اللبنانيون كيف يحافظوا على وحدتهم الوطنية، إسرائيل لن تتمكن من لبنان إذا كانت الدولة في لبنان قوية ومتماسكة وليست مجرد ملعب لمونديال الطوائف». وأضاف: «مسؤولية الدولة أن تكون في مستوى التحدي للعدوان الإسرائيلي وانتهاكاته لأرضنا وسيادتنا وحقوقنا في مياهنا وثرواتنا الطبيعية ومسؤولية المجتمع اللبناني أن ينخرط في مشروع الدفاع عن الدولة ومؤسساتها وأن يعلو منطق الدولة على أي منطق آخر مهما كانت الدواعي والاعتبارات». وقال: «من هنا نرسم حدود التزامنا لقضية تحرير أرضنا المحتلة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، ونضع هذه القضية في خانة الدفاع عن أولوياتنا الوطنية، ومن هنا نرسم أيضاً حدود التزامنا لقضايانا القومية وموقعنا الخاص في الصراع العربي - الإسرائيلي. وفلسطين في هذا المجال ليست قضية موسمية أو عنواناً إنسانياً ننتمي إليه بفعل قوة الظلم الذي أوقعته إسرائيل فلسطين قضية موروثة بالدم. قضية الأجداد، وقضية الآباء وقضية هذا الجيل الجديد الذي ما زال يرى فيها مرارة الماضي، وشغل الحاضر وأمل المستقبل. وانتم في تيار المستقبل أبناء وبنات هذه القضية تماماً كما نشأ وكما أراد الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وأن نكون حراساً لقضية فلسطين يعني أن نحسن الحراسة لاستقرار لبنان وأن نجعل من هذا البلد نموذجاً يستطيع أن ينافس إسرائيل بصيغته الحضارية ورسالته إلى العالم وبكفاءة أبنائه وبناته وقدرتهم على إدارة شؤون الدولة ورعاية النظام الديموقراطي». ولفت الى أن «بهذه الروح تصدر تيار المستقبل الصفوف في 14 آذار واحتل مكانه في حركة سياسية وطنية جعلت من قضية استرداد الدولة وإعادة الاعتبار لدورها ومؤسساتها في إدارة المجتمع اللبناني هدفاً مركزياً وعنواناً لترسيخ مفاهيم الحرية والسيادة والعدالة بين المواطنين. وتيار المستقبل سيبقى وفياً لهذه الروح ولشركائه جميعاً في 14 آذار مهما تبدلت المواقع وتباينت الآراء وتغيرت الظروف. وسيتعامل مع المتغيرات بموضوعية وواقعية ودائماً في إطار الالتزام بالثوابت والقناعات الوطنية. من هنا كان قرارنا المشاركة في الحوار الوطني وتأكيد وجوب إعطاء البلاد فرصة جديدة لالتقاط الأنفاس ومحاصرة أسباب الفتنة التي هبت في غير مكان. تراجعنا في مرحلة معينة ليتقدم لبنان خطوة في اتجاه الاستقرار. وتقدمنا بعد ذلك نحو انتخاب رئيس للجمهورية ثم نحو تجديد الفوز بالانتخابات النيابية». مراجعة للمرحلة السابقة وأشار الى زياراته «الأربع الناجحة منذ نهاية العام الماضي لدمشق». وقال: «واجبي أن أعلن أمامكم أنها أدت إلى فتح صفحة جديدة مع القيادة السورية، ومع الرئيس بشار الأسد تحديداً. هذه الصفحة المبنية على الصدق والصراحة والأخوة وعلى احترام سيادة واستقلال الدولتين ما كانت ممكنة لولا أنني استلهم من شجاعة وتجربة رفيق الحريري القدرة على إجراء المراجعة للمرحلة السابقة ولولا الإيجابية التي يبادلنا بها الرئيس الأسد والحكومة السورية لنستكمل التحرك في الاتجاه السليم، وإنهاء مرحلة لم يعد من المصلحة ولا من الجائز الاستمرار بها، ويجب طيها. ونحن اليوم أمام مرحلة جديدة ستكون بإذن الله لمصلحة لبنان وستعيد العلاقات اللبنانية - السورية الى ما يجب أن تكون عليه». وأكد الحريري أن «سورية فتحت أبوابها أمام جميع اللبنانيين، وعلينا أن نفتح عقولنا وقلوبنا وأبوابنا. القيادة السورية تضع أمامها مصلحة بلادها ومواطنيها، وهذا حقها، وأمر يشرفها. ونحن أيضاً نضع أمامنا مصلحة لبنان ومصلحة اللبنانيين. هذا ما نفعله مع كل الدول الشقيقة والصديقة، لكن روابط التاريخ والجغرافيا والعروبة تجعل من مساحة المصلحة المشتركة بين لبنان وسورية مساحة واسعة تفوق بما لا يقاس مجموع المصلحتين معاً. وزيارتي الأخيرة أسست من دون شك لترجمة إرادتنا المشتركة في دفع هذه العلاقات في الاتجاه الصحيح. وأتطلع مع كل اللبنانيين المخلصين الى البناء على هذه المرحلة لتفعيل دور لبنان في تعزيز التضامن العربي وتثبيت نتائج المصالحة العربية الكبرى التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في قمة الكويت». واكد مقرر اللجنة الخماسية لإعادة هيكلة «تيار المستقبل» أحمد الحريري في الجلسة الاولى أن «الهدف تحقيق مشروع الدولة»، ولخص المواقف التي جاءت في التقرير السياسي فشدد على أن «لا مساومة على المحكمة الدولية وما من أحد أصلاً يستطيع المساومة، والقرار بيد المجتمع الدولي ومجلس الأمن الذي أنشأها، وقرارات المحكمة رهن بمداولاتها وقناعات قضاتها». وأكد أن «سياستنا في تعزيز العلاقات العربية كانت وما زالت ثابتة ونابعة من حقائق التاريخ، أما الانفتاح على سورية وإعادة بناء الجسور فان استراتيجيتنا في تيار المستقبل كانت ولا تزال تأكيد ضرورة حسن العلاقات بين لبنان وسورية وتعزيز هذه العلاقات»، وأكد أن «الالتزام هو عهد، والوفاء بالعهود شرط أساسي، ولغة التخوين عود إلى ذي بدء ونقض للعهود». وشدد على «التمسك باتفاق الدوحة بكل ما يتعلق باستعمال السلاح أو التهديد به وما زلنا نتمسك باستئناف الحوار في رئاسة الجمهورية عن الاستراتيجية الدفاعية». وعن «قوى 14 آذار» قال: «حركتها رؤية سياسية جسدت ولا تزال تطلعات فئة كبيرة من اللبنانيين في إطار الحرية والسيادة والاستقلال، وتبقى مطلباً جماهيرياً عريضاً ما دامت ملتصقة بالثوابت». وتحولت جلسات المؤتمر الى جلسات مغلقة. ويتخلل اليوم الثاني (اليوم) انتخاب رئيس التيار وأعضاء المكتب السياسي لتعلن المقررات في الخامسة عصراً.