في يوم الاثنين الثامن من شهر الله المحرم 1430ه، الموافق للخامس من يناير 2009م، انتقل الى رحاب ربه الأستاذ طلعت وفا، مستشار رئيس تحرير صحيفة "الرياض"، ورئيس التحرير السابق لصحيفة "رياض ديلي" الإنجليزية التي كانت تصدر من مؤسسة اليمامة الصحفية. امام الموت يقف المرء عاجزاً عن الكتابة، ويكون العجز عن الكتابة أكبر اذا كان المنعي قد أجمع من عاشروه على دماثة خلقه وطيبته وتهذيبه. لكن الموت هو سبيل الأولين والآخرين وكل نفس ذائقة الموت. حينما حضرت الحسن البصري المنية، حرك يديه وقال: هذه منزلة صبر واستسلام!. عندنا في السودان مثل يقول (إن شاء الله يوم شكرك ما يجي)، ويشير المثل الى ان يوم شكر الإنسان هو يوم موته. ولا ادري فربما طبعنا الغالب أننا لم نجبل على مدح الإنسان وهو حي يرزق بل نسرف في مدحه بعد موته. وهذه ربما - والله أعلم - لها علاقة ببغضنا ونفورنا من اي قول او فعل يدخل في باب التملق، والرياء. حزنت مرتين، مرة لخبر انتقال الأستاذ طلعت وفا الى رحاب ربه، والمرة الثانية لأنني لم اسمع بالخبر الا عند الخامسة من مساء ذلك اليوم، أي بعد ان انتهت الصلاة والدفن. فمن حقه علينا أن نصلي عليه، وندعو له ونتبع جنازته. عملت مع الفقيد سبع سنوات - ربما تزيد قليلاً - وكانت صحيفة "رياض ديلي" حينها تجمع مختلف الجنسيات، عرباً وهنود وباكستانيين وسيرالانكيين وبنغلادشييكن وغربيين، بينهم المسلم، والمسيحي والهندوسي. كان المرحوم طلعت وفا يتعامل مع كل هذا التنوع من الجنسيات والمعتقدات، ولكم أن تتخيلوا هذه المهمة الصعبة، في وقت كانت فيه الصحيفة تتعرض للكثير من الصعاب ومن بينها شح الإعلانات، وتحديات تتعلق بالتوزيع، والتسويق. كان الراحل يجتهد ويبذل كل ما في وسعه، مستفيداً من علاقاته الواسعة، وكان يحدوه الأمل دوماً ان الأمور، في الصحيفة، ستسير الى الافضل رغم وعورة الطريق وتراكم الصعاب. وليست مبالغة، بل هي الحقيقة وكل الحقيقة، انه كان يتابع من بيته وفي أوقات راحته اكتمال العدد، ومن هناك يوجه ان يوضع هذا الخبر وهذه الصورة. ونحن نودعه لابد من الإشارة الى امر غير معروف الا للزملاء الذين كانوا على رأس العمل عند صدور قرار اغلاق صحيفة "رياض ديلي". فقد ان الفقيد يحس بالآخرين والصعاب التي يمكن ان تواجههم بعد عملية الإغلاق. لم يفكر في نفسه، فهو يعلم مكانه، وهو سعودي، وتربطه علاقات واسعة، وهو ابن مؤسسة اليمامة الصحفية وصحيفة "الرياض" التي لن تتركه. ولكن ماذا عن الآخرين؟ لقد حمل الراحل همهم، وبفضل علاقاته المتميزة وحبه للخير، بذل الكثير من الجهود من اجل فريق "رياض ديلي" ويذكرونه. ولم تنته علاقته بهم بعد ذلك، بل استمر التواصل، ولا أنسى ذلك اليوم الذي دعا فيه كافة الزملاء السابقين وأقام حفل غذاء لهم، ووزع عليهم هدايا تحمل اسمه وتاريخ إغلاق الصحيفة. رحم الله الأستاذ طلعت وفا وألهم أهله وذويه وزملاؤه، وأصدقاؤه ومعارفه الصبر وحسن العزاء. @ مترجم وكاتب صحفي سوداني مقيم بالمملكة