لابد من التأكيد على أن التعامل مع حالات الوفاة، خاصة على الطريق وتحديداً بالسكتة القلبية، أي دون حادث أو مسبب واضح أمر بالغ التعقيد ويحتاج إلى التعامل بحذر من كافة الأطراف، لأنه لا يخلو على الدوام من المسئولية الأمنية أو الجنائية التي تستلزم تدخل الطبيب الشرعي قبل تحريك الجثة لتحديد سبب وزمن الوفاة، ولا يمكن أن تلام فيه جهة النقل وهي أمانة المدينة (كثيرون يعتقدون خطأً أن الهلال الأحمر هو المسئول عن النقل، وهذا غير صحيح فالهلال الأحمر لا ينقل إلا من يُرجى شفاؤه ووجد حياً، أما من توفّي فتنقله سيارة خاصة تابعة للأمانة أو البلدية). أي أن الفيصل في أمر الشروع في تحريك الجثة هو سرعة تواجد الطبيب الشرعي، وسرعة وصوله للقرار في كيفية الوفاة وإمكانية تحريك الجثمان، ومن الواضح جدا غياب الآلية المتفق عليها والسريعة في التنسيق بين الجهات ذات العلاقة تحت قيادة واحدة عندما يحدد طبيب الإسعاف حدوث الوفاة وتغادر سيارة الإسعاف ويتحول الأمر إلى جثمان يحتاج لطبيب شرعي ثم نقل، وقد يستغرق ذلك وقتاً طويلاً، فقد عايشت إحدى الحالات لموظف بنجلاديشي توفي أمام مدخل مستوصف في البطحاء بسكتة قلبية ولم ينقل إلا بعد ست ساعات. ويتضح أيضا مما حدث أننا نعاني شحاً كبيراً في كوادر الطب الشرعي، وهذا غير مستغرب فهذه الفئة من الأطباء يعملون خلف الكواليس مثلهم مثل أطباء الطوارئ لا يجدون التشجيع والدعم من مديري الشئون الصحية مثلما يجد من يعملون تحت الأضواء أو تخلق لهم الأضواء خاصة الجراحين، فرغم أهمية الطب الشرعي وطب الطوارئ إلا أن الغالب بأن التركيز ينصب على من يعملون في المجالات الطبية الأخرى فيحصلون على التطوير والابتعاث والتشجيع، ولذا فإننا نكرر دوما المطالبة بأن توكل الإدارة الصحية للمتخصص الإداري الذي يؤمن بأن نجاحه مرهون بنجاح كل أعضاء الفريق الصحي، عكس الإداري الطبيب الذي قد يغطي نجاحه الطبي على فشله الإداري فيكتفي به، ويتسبب في إحباط تخصصات أخرى هامة كطب الطوارئ والطب الشرعي بل وحتى جراحة العيون وأمراض الجلد وطب المجتمع والطب النفسي. ما نعاني منه هو عدم التوازن في تحديد احتياجاتنا من الكوادر وهو ما يجب أن نحرص على دراسته والتحقيق فيه، لأننا بالفعل نعاني خاصة في المجال الصحي، من نظرة الرجل الواحد وقرار الرجل الواحد وتحيز الرجل الواحد وهذا أمر تأتي نتائجه شديدة الخطورة في شكل نقص تخصص هام كالطب الشرعي أو ملل تخصص أهم كطب الطوارئ وقس عليهما تخصصات أخرى في مجالات صحية أخرى غير الطب. أخر ضحايا هذا القصور كان عضو مجلس الشورى المرحوم بإذن الله منصور عبد الغفار الأنصاري الذي بقي جثمانه ممدداً لأكثر من ثلاث ساعات في انتظار وصول الطبيب الشرعي ليبعث رسالة واضحة للتنبيه الى هذا القصور الواضح رغم سهولة القضاء عليه وحسب وسائل الإعلام فإن مجلس الشورى فتح تحقيقاً موسعاً مضى عليه الآن قرابة ثلاثة أشهر لكننا لم نر نتائج للتحقيق أو حلولاً جذرية وهذا هو الأهم. رحم الله منصور عبد الغفار الأنصاري فقد عمل بإخلاص في حياته وأبى إلا أن ينبهنا إلى أخطائنا حتى بعد مماته، وهذه من سمات الصالحين، مبارك في حياته وبعد موته .