عندما ربحت حماس الانتخابات ووصلت إلى الحكم شريكا للسلطة الوطنية المنتخبة، اعتقد الجميع حينها أن الدولة الفلسطينية قد سلكت طريقها الصحيح لمشاركة جميع التيارات والأطياف في رسم إستراتيجية التفاوض ومستقبل الدولة الفلسطينية. وكان الاعتقاد أن ينهي هذا الائتلاف جميع مظاهر الخلاف بين الفصائل الفلسطينية. ولكن لأنه يوجد في المنطقة أناس يرون أن توحيد كلمة الأطراف الفلسطينية ينهي دورهم في المنطقة ويقضي على مصالحهم، فقد عمدوا على وضع العصا في عجلة الائتلاف لعرقلة التفاهم والحيلولة دون أن ينعم الفلسطينيون بلحظة هدوء وأمان، لقد سعت أكثر من دولة عربية لتحقيق الوفاق بين الفلسطينيين، وكانت بلادنا المبادرة إلى ذلك، وذهب الملك عبد الله إلى مكة ؛ ليرعى اتفاق فتح برئاسة محمود عباس، وحماس برئاسة خالد مشعل وإسماعيل هنية ويتابعه؟ فرحبوا جميعا بما اتفقوا عليه وأقسموا بألا يرجعوا عنه؟ لكنهم سرعان ما اختلفوا، فمن أقنعهم بتغيير اتفاقهم؟ وما الثمن الذي دفع لمن وافق وتملص من العهد الذي قطعه على نفسه في جوار الكعبة؟ كما بذلت مصر مسعى مماثلاً بعدما أخلَّ الحماسيون وبالتحديد خالد مشعل وإسماعيل هنية بذلك الاتفاق؟ وأخذ الرئيس حسني مبارك على عاتقه تحقيق لقاء بينهم، وعندما كاد الجانبان أن يلتقيا في القاهرة للخروج باتفاق نهائي يضع حدا للإشكالات القائمة، قاطعت حماس اللقاء في اللحظة الأخيرة للموعد المحدد بعد تلقيها تعليمات من جهات أخرى؟ إذن من الذي يدفع بالقضايا العربية نحو الطرق المسدودة؟ وما هي طبيعة الرجال الذين يساعدون الغريب عن وطنهم وأمتهم العربية على تحقيق ذلك؟ وإلى أيّ حدّ تتهاوى في نفوسهم قيمة الأوطان، وقيمة الإنسان الذي آمن بهم وبقدرتهم على انتشال وطنه مما هو فيه؟ أولئك هم أنفسهم الذين ما انفكوا يزينون لحماس الاستمرار في مناوشة إسرائيل بصواريخها البدائية الصنع، تلك الصواريخ التي لم تحقق شيئا سوى بعث الخوف والرعب في نفوس الإسرائيليين، يعرف قادة حزب الله وحماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية سواء من كان منهم في غزة أو خارجها، واجباتهم جيداً، ويؤدون بكفاءة عالية المطلوب منهم بأجر يتقاضونه، ألا وهو إشعال الحرب بعد الحرب في هذه المنطقة، تلك التي تتخللها فترات قصيرة من الهدوء ليعاودوا الإشعال حسب الأوامر التي تُلقى إليهم. فلا يضيرهم سقوط مئات القتلى والجرحى جراء القصف الإسرائيلي، بينما يختبئ بعضهم في المستشفيات وفي أماكن تحت الأرض، وبعضهم الآخر يدير المعركة عن بعد في أماكن أخرى. حينما نصح بعض العقلاء حماس بالجنوح إلى السلم والانخراط مع السلطة في مشروع التفاوض، كانوا يريدون تجنيب الأبرياء ويلات الحرب التي لا تصيب غيرهم، لكنها رفضت بدعوى أنها تجاهد لتحرير الأرض، وما علمت أنها تنتحر وتنحر معها الأبرياء، فهل تستطيع حماس بتلك التفجيرات والصواريخ الرديئة دحر إسرائيل والقضاء عليها؟ ثم هل كانت تعتقد أن إسرائيل ستصمد أمام هجماتها ولن ترد عليها؟ وهل ظنت أن يبلغ الحلم بإسرائيل حد الصمت عن قتل جندي أو مدني واحد؟ إن قادة حماس وغيرهم من الأبواق الإعلامية لم ينفكوا عن التساؤل عن العرب قائلين : أين أنتم يا عرب مما يحدث لنا؟ وغير ذلك من التساؤلات والمفردات التي تنضح عداوة واستهانة وتخوينا وعمالة لإسرائيل والغرب معها ! بادىء ذي بدء نتساءل : هل استشارت حماس القادة العرب المتهمين بالتخلي عنها قبل إقدامها على ما أقدمت عليه؟ أليس هناك من يملي عليها ما تفعله غير عابئة برأي العرب؟ إن كثيرا من الأسئلة تثار هنا ومنها : هل كُتب على هذه الأمة أن يخرج من ظهرانيها كل بضع سنين مغامر أو حفنة من المغامرين يقودونها إلى التهلكة فيعطلون مشاريعها التنموية ويشغلونها عن قضاياها المصيرية ويورطونها في أعمال تستنزف أموالها وطاقاتها ومستقبل أجيالها؟ لماذا تسكت الدول العربية المعتدلة وجامعة الدول العربية عما تمارسه إيران من حشر أنفها في أمور العرب عبر استخدام أولئك المغامرين والعاقين لأوطانهم وقضايا أمتهم؟ لماذا تستدرج حماس إسرائيل إلى حرب خاسرة يدفع ثمنها الشعب الفلسطيني ولمصلحة من؟ هل نقول إن زعماء حماس يتاجرون بقضية فلسطين العادلة من أجل البقاء في سدة الحكم؟ ماذا فعل حلفاء حماس ممن يسمون أنفسهم معسكر الممانعة والرفض؟ لماذا لا يستغل حزب الله الفرصة المتاحة ويشارك حماس بدلا من تأليب الجيش المصري على اقتحام معبر رفح؟ أليست إيران قد هددت مرارا بإزالة إسرائيل من الخارطة؟ فلماذا لم تساهم في الحرب لتحقيق ما وعدت به؟هل يدرك من يطلب من مصر فتح معبر رفح أنها لو فعلت دون إذن من الجهات الدولية سيعتبرونها منتهكة لمعاهدة السلام وشريكة لحماس في الحرب ضد إسرائيل؟ هل أصبحت التنظيمات الفلسطينية عبئاً ثقيلا على شعبها، وجزءًا من المشكلة، إذ ساهمت في تكريس معاناة الفلسطينيين وتجويعهم وقتلهم وتفويت الفرصة عليهم لعقد اتفاقية للسلام والفوز بدولة مستقلة هادئة تعيش بأمان في المنطقة؟ وإعلان العداء السافر لزعماء دول الاعتدال وتأليب الجماهير عليهم بالشعارات التي عفى عليها الدهر؟ وما هي المصلحة التي تعود علي القضية الفلسطينية من جراء شن الهجوم علي الحكام العرب وكيل الاتهامات الباطلة لهم، لقاء الأموال النظيفة التي تغدق على مطلقيها؟ هل سيخرج قادة حماس من مخابئهم الآمنة بعد أن تتوقف العمليات العسكرية ليعلنوا النصر ويحتفلوا بهزيمة إسرائيل بعد كل أولئك الضحايا وذلك الدمار، بحجة أن إسرائيل فشلت في القضاء عليهم نهائيا كما فعل حزب الله؟ وعندها سيخرج الشارع العربي المسيَّر بالإعلام المضلل فيطبل للنصر المؤزر ! إن أكثر ما يثير العجب هو " أنه في الوقت الذي ترتكب فيه إسرائيل جرائمها بدم بارد، ويقف المجتمع الدولي متفرجا على ما يجري، فإن مسئولين تابعين لفصائل فلسطينية، ووسائل إعلام مرتبطة بهم، لم يتوقفوا عن مهاجمة الدول العربية، وجامعة الدول العربية ! ويركزون علي توجيه اتهامات يعلمون قطعا عدم صحتها، ووصل الشطط بالبعض إلي الحديث عن ضوء أخضر مصري لإسرائيل بشن العدوان، فالحملة ضد مصر الآن كالحملة التي قادها الأشخاص أنفسهم في الحرب التي شنها حزب الله على لبنان عندما حذرت المملكة من إقدامه على تلك المغامرة غير المحسوبة، فادعوا أن المملكة قد شجعت إسرائيل على مهاجمة حزب الله !! " إن من يتحدث علي هذا النحو إنما يخفف الضغوط عن إسرائيل ، ويساعد على تمرير هذه الجريمة النكراء ؛ لابدّ من التوقف فورا عن مثل هذه الاتهامات، وأن توجه الجهود العربية من أجل وقف العدوان أولاً، واستئناف الحوار الوطني الفلسطيني على أرضية وطنية خالصة، وفي الوقت نفسه توثيق ما يقع على الأرض من جرائم استعدادا لتقديم المجرمين والقتلة إلى العدالة الدولية مهما طال الوقت، فمثل هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم ". لقد كشف مصدر عربي كبير عمّا سماه الدور المكشوف لداعمي التطرف في المنطقة، مثل بعض القنوات الفضائية التي أصبحت أبواقاً لرموز التيارات السياسية الإسلاموية والقومية ومنبرا للتحريض ضد الأنظمة العربية المعتدلة. كما أن دولاً كإيران تعمل كل ما في وسعها للسيطرة على الدول العربية، وتنصيب نفسها وصيا على شعوبها وبعض حكوماتها والتدخل السافر في شؤونها، فلقد رفضت فكرة الجامعة العربية بإرسال قوات عربية لقطاع غزة بل واحتجت على ذلك؟ " إن هؤلاء يعتقدون أن قطاع غزة محافظة فارسية يتدخلون في كل صغيرة وكبيرة من شؤونها ". وأما حزب الله اللبناني فلقد لفت بقوته التسليحية والمالية نظر العالم واهتمامه، كما سبب صداعا لأهل لمنطقة ودول العالم من جهة كونه ورقة إيرانية ضاغطة ترفع بوجه أ كثر من جهة وطرف، وقد أك د قادة هذا الحزب ارتباطهم بطهران ونظامها السياسي واستعدادهم للقيام بأي عمل أو نشاط يخدم مصالحها، وهو إقرار كاف لمعرفة معدن هذا الحزب الذي يناصره كثيرون. لكنه تورط مؤخرا عندما هاجم مصر وطلب من جيشها اقتحام معبر رفح الأمر الذي يعدّ تجاوزا وتدخلا وقحا في الشؤون الداخلية لدولة كبرى ! ولقد أصبحت حركة حماس صورة أخرى من حزب الله من حيث مجازفتها بأمن أهل غزة كما فعل نصر الله في لبنان. إن الذين يصرخون من مكاتبهم الوثيرة وبيوتهم الدافئة عبر القنوات الفضائية داعين الحكام العرب لفتح الحدود مع إسرائيل والشعوب العربية للجهاد، فإنما يتاجرون بآلام أهل غزة، ويكسبون شعبية وبطولة وهمية، لماذا لا يكونون هم أول من يتقدم الجموع للمطالبة بفتح الحدود بدلا من النضال عن بعد؟ وهل يريدون فتح الحدود وإشعال المنطقة حربا تأتي على الأخضر واليابس إكراما لمن يدفع الأموال الشريفة ليجعلوا العالم العربي ممزقا ضعيفا؟ أو يحولوه دويلات لا يثق أحدها بالآخر تشتعل حروبها لأتفه الأسباب، وهو ما تريده الدول التي تخطط لزعزعة أمن المنطقة العربية بأسرها. إن الفتنة بدأت تطل برأسها في بعض المناطق العربية والعملاء ماضون في تحقيقها، فماذا بقي لهم من كرامة ما انفكوا يريقونها توسلا لكسب الأموال حتى وإن كان بخيانة أمتهم. أما الشعوب فهي شعوب عاطفية غرائزية يقودها أعداء الأمة وهم لا يعلمون أن دورهم قادم، فما الذي يمكن أن يحدث في بلداننا لو أقامت كل من حماس وحزب الله (والإخوان المسلمين ) وجيش المهدي وبقية أحزاب دولة ولاية الفقيه وغيرها من الأحزاب والجماعات المتشددة، دويلاتهم على أنقاض الحكومات القائمة؟ ألن يعيد هؤلاء دويلة طالبان البائدة في أفغانستان؟ ألن تنصب لهم المشانق في الشوارع والميادين العامة؟ ألن تعدم النساء في ملاعب الكرة كما فعل الملالي وطالبان؟ مرة أخرى، تطالبنا الذهنية العربية السائدة أن نعطي إجازة مفتوحة لعقولنا ونركب الموجة ونساير مزاجية الشارع العربي الذي تسيِّره العواطف فقط، والمصفق للمغامرين الذين لم يجلبوا للأوطان سوى الكوارث بانتصاراتهم الوهمية. إن أي تحليل عقلاني لما يحدث في أوطاننا العربية من جراء مغامراتهم، سيجعل الكاتب لا محالة عرضة للاتهام بالعمالة للآخر. أخيرا لماذا يصرّ ضيوف القنوات الفضائية على أن يكون العرب أكثر فلسطينية من الفلسطينيين أنفسهم؟