أظن أن التاريخ لم يشهد ولن يشهد ذلاً ومهانة كالذل والمهانة اللذين يعيشهما العرب اليوم فالمأساة تعدت حدودها وتعدت قيودها إن كان للمآسي حدود وقيود!! فما يحدث في غزة مهزلة تاريخية وإنسانية بشعة بل هي أبشع المهازل، وأقساها، وأعنفها وقعاً على التاريخ الإنساني منذ وجوده.. فلو أن ما يحدث في غزة من حرب، وإبادة، وإذلال، وتجويع وقع على كلاب مسعورة، أو مصابة بداء الطاعون، والجرب، لصرخ العالم كله احتجاجاً على طريقة ذبح تلك الكلاب، بهذه الصورة وبهذا الشكل القذر، والعفن والصارخ! إسرائيل تبيد شعباً بطائراتها، وغاراتها اليومية، وتقطع عنه الماء والكهرباء، والدواء، والدقيق، وهذا الشعب يسبح في دمائه، وجوعه، ودموعه ومسغبته، والعرب صامتون صامدون في صمتهم واستخذائهم وجبنهم، وعارهم الذي لن تغسل سواده الأيام ولا العصور، والدهور..! بل إن الصمت العالمي هو الآخر صمت نذل، وجبان ويثبت أن مقولة: العالم المتحضر، ما هي إلا أضحوكة سخيفة بل هي فضيحة أخلاقية أبعد ما تكون عن التحضر، وأخلاق التحضر، فإسرائيل تمارس عملاً شاذاً ووقحاً، ووضيعاً والعالم الغربي الذي يساعدها ويدعمها على ارتكاب هذه المجازر اللاإنسانية في عصر التمدن، والعولمة ما هو إلا عالم غارق في رجسه وعنصريته، وحقده ونجاسته.. العرب يثبتون يوما بعد يوم أنهم يسيرون في طريق الذلة والمهانة والهوان بثبات يحير اعداءهم ويذهل خصومهم، بل ويجعل منهم أمام الآخرين قطعانا شاذة في تعاملها مع الحياة والعيش الكريم! فقد رضوا بالوضاعة وتسنموا مقعدا رفيعا من ذروة الذل و: ذروة الذل أن تموت المروءات وأن يمشي إلى الوراء الوراء فالوراء العربي يركض سريعاً خلف ورائه المذعور، والمروءات العربية ماتت منذ زمن بعيد.. ولست أدري كيف يفكر العرب وهم يركضون خلف ظلال مذلتهم!؟ هل هم يعتقدون أن إسرائيل سوف ترفع السيف عن رقابهم حينما تبيد الشعب الفلسطيني، وأنهم أخذوا عهداً وموثقاً في أنابولس أو في أي مكان بالأمان عليهم؟ وأن إسرائيل التي تهودت على يد السيد بوش أي أصبحت: (دولة يهودية دينية عنصرية محضة لا تقبل أن يعيش على أرضها إلا يهودي ابن يهودي وأن كل ما فوق ترابها يهودي بما في ذلك المسجد الأقصى) هل يظنون أن إسرائيل ستقف عند هذا الحد وأنهم سيظلون بمفازة من غدرها وحربها وقتلها..؟ أجزم أن العرب يظنون ذلك بل ويؤمنون به.. ومن أجل ذلك باعوا فلسطين، وباعوا القدس، وتركوها للشيطان يحكمها ويرثها.. والعرب بذلك إنما يصبون غباءهم فوق طين جبنهم، فمطامع إسرائيل أكبر وأوسع وأخطر من أن تقف عند حدود فلسطين التي احتلتها، ثم ملكتها، ثم هودتها.. وأقسم لكم أيها العرب بما يقسم به الرجل المؤمن الشريف أن إسرائيل ومعها أمريكا بل والغرب كله لن يتركوكم، وأنكم إن ظللتم في ضلالتكم هذه التي تعمهون فيها وظللتم في استسلامكم وخضوعكم وخنوعكم فإنكم سترون ما ترونه بأعينكم اليوم في غزة وقد انتقل الى بلدانكم.. فإسرائيل دولة عنصرية توسعية فرضت على أرض العرب من الغرب فرضاً، وهي ممثل الغرب الشرعي في المنطقة، ولن تقبل مطلقاً أن تعيش مكبلة بحدود سياسية، تعتقدون أنها ستفصلكم عنها، فالذين يفرطون في اعتقادهم بأن إسرائيل ومن لف لفها ووقف الى جانبها سراً وعلانية إنما تبيد غزة اليوم كآخر معقل للمقاومة، ومن ثم فإنها ستفرغ للسلام مع العرب أقول إن الذين يظنون ذلك إنما يمارسون أتفه أنواع الغباء والمجون السياسي.. أيها العرب اعلموا أن إسرائيل حريق ينتقل من غابة إلى غابة حتى يحول جميع الغابات الى فحم ورماد، وها أنتم ترون الشرر ولهيب النار، فاستيقظوا ولا أقول حاربوا لأن من يقول هذه الكلمة "حاربوا" في مثل هذه الظروف المبكية المحزنة سيعتبر قوله ضربا من ضروب الوهم والجنون.. وإنما أقول اصرخوا، ونوحوا، وابكوا، والطموا وجوهكم واذرفوا دموعكم على إخوانكم هناك.. خفضوا من ساعات الرقص والعهر الماجن في قنواتكم، تضامناً مع اخوانكم الذين تحاصرهم إسرائيل بالنار والعار، والبرد والبارود، والجوع والقهر، والمذلة والدماء ودربوا انفسكم وأولادكم على الخوف، والفزع، وهيئوهم ل "غزات" وغزوات إسرائيلية أخرى منتظرة.