منذ سنوات خرجت في لندن مظاهرة حاشدة تقدر بأكثر من مليون متظاهر، وكانت المظاهرة ضد قتل الثعالب بكلاب الصيد، حيث طالب المتظاهرون ومعظمهم من جمعيات الرفق بالحيوان أن يوقفوا رياضة صيد الثعالب بالكلاب - وهي رياضة تاريخية قديمة - فاستطاعوا إيقافها إلى الأبد..! تذكرت هذه المظاهرة الحاشدة ضد قتل الثعالب الوحشي بالكلاب وأنا أراقب مشاهد الذبح الفلسطيني الوحشي في غزة.. أشاهد الدماء وقد أغرقت الشوارع، والأشلاء وقد سدت الطرقات.. وأسمع صيحات الأمهات وفزع الأطفال، وأنين الجرحى، وبكاء الثكالى، وعويل الشيوخ.. أسمع صرخات الاستغاثة.. الاستغاثة للحم والدم الإنساني الذي يبعثر ويراق، ولا أحد يهتز ولا أحد ينتخي، ولا أحد يرحم، ولا أحد يبكي فضلاً عن أن يتظاهر.. وأقول والأسى يبعث الأسى، والحزن يتراكم على الحزن: يا لمذلة الإنسان ويا لمهزلة التاريخ عندما تكون لحوم العرب أرخص وأهون على العرب وعلى المجتمع الدولي كله من دماء ولحوم الثعالب.. ومهما كانت الذرائع والأسباب، ومهما كانت المبررات، فإن ما يحدث فوق طاقة مشاعر الإنسان وعواطفه، وأخلاقه.. فلقد أصبحنا نكفن موتانا وأحزاننا وقضايانا بالتجاهل والنسيان، أصبحنا نواجه الخطر بالرضوخ، وراء الرضوخ، وبالمذلة تلو المذلة و: ذروة الذل أن تموت المروءات وأن يمشي إلى الوراء الوراء .. إن الذين يراهنون على أن إبادة غزة وأهل غزة، ويعتبرون أن مجازر إسرائيل ومذابحها الشنيعة التي تقشعر لهولها أبدان البهائم هي الطريق إلى السلام، إنما يخادعون أنفسهم، ويبرمون عقداً مع الذل والهوان، فإسرائيل منذ ستين عاماً وهي تعثو في فلسطين ذبحاً وتدميراً، وخراباً.. من مجازر دير ياسين، وقانا، وصبرا وشتيلا، ومئات المجازر الأخرى، إلى مجازر غزة اليوم، التي تقود إلى مزيد من المجازر ومن المذابح، وسفك الدماء.. والذين لا يزالون يتحدثون عن هيئة الأممالمتحدة، وحقوق الإنسان، ومجلس الأمن - أو مجلس الرعب - كالذي يفزع من الموت إلى الموت، ويستجير من النار بالنار... @ إن المنطقة اليوم تمر بأسوأ حالات التفكك والانهيار.. التفكك القومي، بل التفكك العاطفي، فعواطف العرب تجاه إخوانهم في فلسطين، والعراق، وأماكن كثيرة، تجمدت، وأحاسيسهم وئدت تحت جنازير الدبابات وقصف الطائرات، وتحت أرجل جوقة اللهو التي حولت المأساة إلى ملهاة فوق مسرح المنطقة، هذا المسرح الذي انصبغت حيطانه وسقوفه بالدماء، ونحن لا نزال نمارس رقصنا ببهلوانية على خشبته، وكأننا من شدة ذهولنا أصبحنا مجاذيب، ولم نعد نغضب ولم نعد نخاف أو نتحرق أو نتحسر، فدخلنا في عالم الذهول بلا إرادة، وبلا تأشيرة عقل نحو دراما موتنا الأسطوري.. @ أيها العرب، أيها المسلمون أفيقوا فإسرائيل وأعوانها، وأذنابها، لن يدخلوا معكم في سلام حقيقي، ولن تستمتعوا معها بالطمأنينة والرخاء، وسوف تأخذكم، مرحلة مرحلة، وشعباً شعبا، فها هي قد فرقت الشمل، وفرقت الوحدة، واحتلت الأرض، ها هي تبني المستعمرة أمام المستعمرة، وتحاصر السور بالسور، ها هي تسرح، وتمرح، وتذبح، وتبيد، ولا أحد يسألها، أو يحاسبها.. بل إنها تجد الدعم تلو الدعم، والمساعدة فوق المساعدة.. واعلموا أن أطماع إسرائيل في المنطقة أكبر من غزة، ومن فلسطين، وأن سياسة البعثرة والتشتيت، أوسع وأشمل، واللحوم التي تبعثر، والدماء التي تسيل هي نماذج لما سيحدث غداً وبعد غد، والعالم لن يبكي عليكم، ولن يتظاهر من أجل الشفقة بكم كما تظاهر شفقة ورحمة بالثعالب..!! فهل ترحمون أنفسكم؟!