التصغير لغة تغيير يطرأ على بنية الاسم وهيئته فيجعله على وزن "فعيل" أو "فعيعل" أو "فعيعيل" بالطريقة الخاصة التي تؤدي إلى هذا التغيير.. ومن أغراضه التحقير والتقليل والتقريب في الزمان والمكان والتعظيم ثم التحبب والتمليح وإظهار الود. وقد ظهر التصغير في أشعار البادية كثيراً في الجانب العاطفي منها، وقل في الجوانب الأخرى، كما أنه في شعرهم أكثر شيوعاً منه في الشعر الفصيح.. بل إن وجود التصغير في الشعر الشعبي أعذب وأرق منه في كثير من نماذج شعر الفصحى. ويبدو أيضاً أن التصغير يفيد معنى خاصاً يشترك فيه طرفان ودودان، فعندما تنادي الأول قائلاً: تعالى يا "قليءبِي" فإن المنادى يحس بعمق المودة، ويسمع عزفاً منفرداً يناغيه مباشرة دون سواه.. كما يشعر بلهفة مناديه وإشفاقه عليه وشوقه إليه.. وشمل التصغير الأسماء والأوصاف والحلي والأدوات التي يستعملها المحبوب.. كما شمل الزمن والأماكن وغير ذلك ما سيظهر في الشواهد والنصوص التي سأوردها. والحب ذلك التيار الدافئ الذي يتيم القلوب ويوطد أواصر الود بين الآلاف ومنه عرف الحبيب. وتناول شعراء البادية الحبيب حبيباً و"حبيِّباً".. فمن ذلك ما رواه البتنوني في رحلته من قول شاعر يحن إلى وده: يا "حبيِّبي" لو ترى حالي واللي جرى لي بعد فرقاك والله ما غبت عن بالي ولا نسيت المصافا ذاك إنه يصف حرقته ونحوله وانشغاله بعد فراق حبيبه.. ثم يؤكد له مثوله أمامه ذكرى لا تفارقه يراه بها كل حين.. وأنه لم ينس الود الصافي الذي كانت حياتهما به عامرة.. وقالت الشاعرة وضحا الحربية: عيني بها هزم ولاج ولوّاج عيني تنثر يا السنافي دموعه تشبه لها غرباً على جال هداج يوم السواني يا "الحبيّب" تزوعه تشبه دموعها غزارة الماء الذي يخرج بالغرب من بئر غزيرة الماء، والغرب دلو كبير يصنع من جلد الإبل أو البقر يستخرج بواسطته ماء الآبار والسواني التي تديرها البغال أو الإبل ونحوها. أما الشاعرة الشمرية فقد تعلقت عينها بديار حبيبها وشاهدت ذات صباح غوادي السحاب تجمعت فوق دياره البعيدة عنها فقالت: أخيل وانا سارحة بالركايب مزنا على دار "الحبيّب" تزبر وذلك الشاب الذي أضناه الوجد فرأى في الوحدة تفريجاً لهمومه فاعتلى جبلاً عله يرى ديار حبيبته فأخذ يقول: أمس العصر بادي على الحيد في الراس أبغي اتفكر والدموع اغرقنيِّ أخيل ضلعانا من البعد غطاس ياليتهن "بحبيّبي" يقءربِنّ والشاعرة عشيبة الشمرية تقول: حب "الحبيِّب" فتش القلب تفتيش تفتيشة الحوذان ذود هجام وذلك الشاعر الذي مر بحبل سدر فأذكى نوازعه وأيقظ أشجانه وبعث ذكرياته وراح يسأل الجبل: يا سدر يا سدر وش قال س الحبيّبس لا تعلاّك لا لد يم الشمال وحارت الدمعة وغنى "ولا "هنا تستخدم بمعنى" إذا". ولعل كلمة "الحبيّب" يناجى بها البعيد أكثر من محاكاة القريب بها لما تعبر به من لوعة ووجد، و "الحبيب" أو "الحبيِّب" تطلق على الأقارب أيضاً كالابن والأخ ونحو ذلك، ولذا فإن أشعار النساء عندما تذكر كلمة "الحبيب" فقد تعني ابنها أو أخاها أو أباها. ومثل ذلك قول الشاعرة عمشا بنت معشان العتيبية في قصيدة طويلة تحث ابنها على طلب العلم: قل له: ترى امك يا زبون المخلاة ما طال من ليل تحسب النجوم إلى قولها: يا ليتني طير إلى طار ينصاه اللي على دار "الحبيّب" يحوم فالحبيب هنا هو ابنها.. وهناك كلمة "صويحب" تصغير كلمة "صاحب" بمعنى "الحبيب". قالت الشاعرة صيتة التميمية: انا بوادي الرس داري ظليلة و"صويءحبي" يتلى المها في الصواهد إنها مشفقة على "صويحبها" الذي يطارد الصيد في الشمس والسموم في الوقت الذي تهنأ فيه بظلال حدائق الرس الوارفة ومنازلها الجميلة. وأهل الحبيب لهم في قلب المحب ود وإعزاز، أليسوا الذين فز من بينهم الحبيب الأثير؟ نعم ومع ذلك فإن الود يجب أن يبقى سراً خصاً وخالصاً بين اثنين، وذلك من معانيه السامية، ولذا فإن المحب يوصي حبيبته قائلاً: با سيد خل الود بيني وبينك واهلي و"اهيءلك" لا عن الود يدرون عند العرب لا تنتظرني بعينك ما كنني من حيك اللي يعرفون وكلمة "سيد" بكسر السين تدليلاً ودليلاً على ما يملكه الحبيب من ناصية المحب.. وتصغير "أهلك" هنا ليس لضرورة الوزن كما قد يفسر ذلك فقد جاء أيضاً في نص آخر للشاعرة الشمرية: إن كان اهيءلك يعذلونك أنا ترى السيف يحني لي