ذكر الدكتور سعد الصويان في كتابه الذي يعد نقلة نوعية في تاريخ الأدب الشعبي (فهرست الشعر النبطي) سنة 1421ه 2001م في حديثه عن المصادر الأجنبية للشعر النبطي أن المستشرق الألماني ج ج هس نشر في عام 1938م كتيباً يحتوي على حكايات وقصائد وعادات وتقاليد البدو في قلب الجزيرة العربية، رصد ببليوغرافياً بهذه الصيغة: j.j.hess. von den Beduinen des inner Arabiens Max Niehans verlag Zurich and Leipzig وأشار الصويان إلى أن الكتاب يحتوي على مواد لغوية وأثنوغرافية وأدبية ومعلومات أخرى تلقي الضوء على حياة البادية وبين أن هس استقى معلوماته مشافهة من اثنين من البدو اللذين التقى بهما في القاهرة أحدهما عتيبي اسمه (موهق بن عايض بن عجاج الغنامي) والآخر قحطاني اسمه(مسفر). وأضاف:أن هس يمتدح (موهق) ويشيد بفصاحته وبراعته في السرد والرواية وقدرته على توصيل المعلومات وتفسيرها ويقول إنه أمضى معه قرابة خمس سنوات في القاهرة تعلم منه خلالها كل ما يعرفه عن لهجة عتيبة وعاداتها وتقاليدها. انظر إلى هذا المستشرق الذي خلّد اسم هذا البدوي (موهق بن عايض بن عجاج الغنامي) في تاريخ الشعر النبطي كشاعر وكراوية لا يشق له غبار!! سطر الصويان من خلال كتاب هس نبذة تعريفية مختصرة لهذا الشاعر والراوية كما يلي: عمل (موهق) مع (محمد البسام) الذي يعتبر من أكبر تجار عقيل في جلب الإبل إلى مصر والشام وخلال عمله مع ابن بسام تردد موهق على القاهرة وعرفها جيداً وخلال الحرب العالمية الأولى عمل جندياً في جيش الشريف حسين وبعد فتح الحجاز واشتداد وطأة الأخوان فضل موهق الانتقال إلى مصر عام 1930م والإقامة هناك حيث عمل خفيراً في عزبة (عزيز عزة باشا). وقال صاحب الفهرست: "ومن المؤسف أن القصائد القليلة التي يتضمنها كتاب هس ترد بالترجمة الألمانية دون الكتابة الصوتية أو الأصل العربي". وفي سنة 1426ه 2006م قام الباحث تركي القداح بترجمة أجزاء من كتاب هس السالف الذكر ضمن كتابه الموسوم (قبيلة عتيبة في كتابات الرحالة الغربيين ) وقال:إن هس كتب سيرة حياة موهق نقلاً عنه مباشرة وطالب بترجمة الكتاب كاملاً وطبعه لتتم الاستفادة منه من قبل الباحثين؛ ثم أورد القداح مشكورا سيرة (موهق) مترجمة عن كتاب هس استغرقت الصفحات من 181- 194وأرفق بها صورة (موهق) المنشورة في كتاب هس ومما جاء فيها: أن تسميته (موهق) كانت بسبب هجر والده لوالدته قبل ميلاده بعشر ليال (ربما طلاقها) ولفظة موهق تعني الشخص الذي يجلب معه الهموم والآلام وذلك بسبب معاناة أمه من هجر أبيه لها،وقامت والدته بإرضاعه ورعايته حتى سن الفطام ثم أوكلت رعايته بعد ذلك إلى جدته أم أبيه وقد أسهب في سيرة حياته. ويذكر بعد ذلك مسيره مع قومه إلى مكة للتزود منها وبيع السمن والغنم وشراء التمور والحبوب وعودتهم إلى أهلهم على ماء (كبشان) في عالية نجد وشرائه بندقية جديدة قيمتها (عشرة ريالات فرانسي). ثم يحكي قصة سفره مع (البسام) واصفاً خط سيرهم من القصيم إلى حائل والجوف ثم القريات فالأزرق حتى نقرة الشام ثم سفرهم إلى مصر وبيعهم الإبل هناك عودتهم إلى الشام مرة أخرى وكانت مدة هذه الرحلة 13يوماً. ثم عودته إلى مصر بجمال أخرى وبيعها والعودة إلى دمشق مجدداً ومرة ثالثة مع محمد العبدالله البسام ثم إقامته بعد ذلك في مصر كمسؤول عن الأغنام عند أحد التجار ثم انتقاله إلى مكان آخر في مصر من أجل رعاية وركوب جمال السباق ثم انتقاله إلى (المطرية) وإرسال فوزان (السابق) له بجمل إلى (خالد الطحاوي) ثم رجوعه كما ذكر إلى (هس) الذي كان يريد تعلم لغة البدو. ويعتبر القداح حسب علمي أول من ترجم ونشر هذه المعلومات التي تسلط الضوء على صفحات مطوية من تاريخنا قبل حقبة التوحيد. والحقيقة أن هذه المذكرات التي دوّنها هس بصورة مباشرة من موهق الغنامي لم تقتصر على السيرة الذاتية لموهق الغنامي بل تجاوزته إلى تفصيل في الحياة الاجتماعية للبادية في الجزيرة العربية وخاصة قبيلة عتيبة من حيث العادات والتقاليد والقوانين العرفية وغيرها. وأرى أن هجرته إلى مصر ليس لها علاقة بالأخوان ووطأتهم في الحجاز لأن دخول الحجاز تحت لواء الملك عبدالعزيز كان في سنة 1343ه ولم يهاجر (موهق) إلا في سنة 1348ه تقريباً وليس هناك ما يبعث على الهجرة إلا البحث عن أسباب الرزق يظهر ذلك من خلال مرافقته للعقيلات وعمله معهم ومن المعروف أن هناك أسراً عديدة من العقيلات استقروا في مصر والشام فلا غرابة في إقامته في مصر. وتؤكد الروايات الشفوية كما أفادني الأخ تركي ماطر الغنامي في اتصال هاتفي يوم الأربعاء 15ربيع الثاني 1423ه أنه كان يقوم بزيارات إلى أهله وجماعته هنا ، وأنه تزوج بفتاة من قبيلته رزق منها بابن اسمه (ناصر) توفي ولم يعقب وذلك قبل وفاة والده أثناء مشاركته مع الجيش العربي في فلسطين ، كما أشار أن من الدوافع التي جعلت الباحث الهولندي (مارسيل كوربرشوك) يتوجه في بعض جوانب بحثه نحو قبيلة عتيبة هو روايات موهق الغنامي التي قرأها في كتاب هس. وفي حين لا يوجد اختلاف على نسبة القصيدة الهزلية التي مطلعها: اسمع كلام ابن عجاج الروقي واترك كلام....الغزاوي إلى (موهق بن عجاج) ربما لأنها مهرها باسمه في أول شطر منها، يختلف الأمر تماماً عندما ينسب إلى (موهق) عدد من القصائد المشهورة التي ربما لا يوافق الآخرون على نسبتها إليه رغم تأكيد الأخ تركي وما سمعته من الأخ فرج خلف الغنامي مثل: ياراكب اللي بعيد الدار يطونه حاير من ضرايب جيش ابن ثاني ويظهر لي أن حياة موهق في أرض الكنانة امتدت إلى حوالي عشرين سنة انتقل بعدها إلى رحمة الله. ولقد قرأت في عدد من المواقع الإلكترونية عدداً من القصائد التي تنسب إلى موهق الغنامي وهي قصائد تدل على قدرة شعرية منها الأبيات: يانديبي فوق عيرات عوصِ شعلي كلهن أملاط تضفي عليهن العباه فج الأيدي هضع الأرقاب حيلٍ وحلي مثل صيداّ طقه الريح وقفى مع نباه ماعليهن غير من يقطع الدار الخلي والأبيات: عديت بالدربيل عصراً وعاير دربيل شوّافاً وساعاً عيونه ماشفت ياحمّاي تال العشاير ما شفت دار محسنين الدقونه ياطول صبري ياعسير بن ساير على النصارى والبحر والمهونه انشد زبار بواردي العشاير هو مانشد عني حجيجٍ يجونه أردنا بهذه الإضاءة اطلاع القراء الكرام على نموذج من أبناء الجزيرة العربية الذين استفاد منهم المستشرقون وخلدوهم في مؤلفاتهم ،ولعل الجهات البحثية تهتم بترجمة ما يختص بتاريخنا على كافة جوانبه في تلكم المؤلفات ليستفيد منها الجميع.