الجدل على أمن الخليج، وهل يخصّ البلدان المطلة عليه، أو التي تجاوره، موضوع خلاف طويل، وعندما تتفاوت القوى فإن الموضوع يرتهن للاجتهادات السياسية التي لا تتلاقى على وجهة نظر واحدة، طالما الريبة والشكوك والمطامع تأخذ دوافع مختلفة، وغالباً ما تتنافر الأهداف والمصالح في بيئة حساسة وخطيرة.. فالخليج ،موقعاً وأهميةً، كشريان استراتيجي رابط بين عدة دول ومنفذ أكبر صادرات للنفط في العالم، أصبح محوراً عالمياً في التوازن الأمني الإقليمي والدولي، ومن هنا تحولت هذه الأهمية إلى تواجد قوى مختلفة في المياه الإقليمية داخل حدود بعض الدول أو خارجها، لأسباب واحتمالات أي طارئ يخلّ بأمن هذا الشريان الحيوي.. فالذين يزعمون أن لديهم القدرة على إيجاد قوة إقليمية تفرض خروج القوات العسكرية أمريكية كانت أو غيرها، يتجاهلون أن هذا التواجد بدأ مع تشكيل قوة الاتحاد السوفياتي واستهدافها الوصول للمياه الدافئة، وإذا ما خرجنا عن مسائل الحماية العسكرية إلى التواجد الكبير للعمالة الوافدة ومطالبة بعض دولها بتميزها عن غيرها باعتبارها مهاجرة، وليست وافدة، فالمشكلة هنا سوف تأخذ مسار طغيان هذه العناصر على السكان الأصليين، والخلل الديموغرافي، في هذه الحال سوف يضع الدول الخليجية ذات الكثافة السكانية الأجنبية في إشكالات قانونية وأمنية، خاصة مَن تقادم عليهم الزمن وحصلوا على الإقامة الدائمة أو الجنسية.. هناك ما أثاره وزير الدفاع الأمريكي بالتخلي عن ديون العراق الخاصة بدول مجلس التعاون الخليجي، وضمه للمجلس، وهي مسألة يمكن بحثها إذا ما خرج الاحتلال الأمريكي، ورفعت إيران يدها عن التدخل في شؤونه، وتنازلت عن مطالباتها بالتعويض عن حرب صدام معها، وقطعاً لا أحد يرفض عودة العراق إلى محيطه العربي، وهي مسألة تخص العراقيين، ولا تُفرض بوصايا خارجية لأن العراق جزء من لُحمة المنطقة، وكيان أساسي في عوامل الأمن الإقليمي والقومي، والعضوية ليست سبباً في التقارب والتباعد إذا ما تلاقت الأهداف وبلورت عملاً مشتركاً بين الكيانات العربية القريبة من بعضها، أو المتحادة بأراض ومياه إقليمية. أمريكا قد تكون، ولاتزال لاعباً في أمن الخليج، سواء من قبل أو رفض هذه الحقيقة، لكن إذا كان الإيرانيون يرتابون فيها لأنهم يبنون ترسانتهم العسكرية والحصول على إنتاج سلاح نووي، وأن إسرائيل الحليف الأساسي لها ترفض، وتعد لعمل عسكري، فالدول الخليجية تساورها شكوك لا تقل خطورة عما تفكر به إيران، إذ الاحتمالات ترشح عقد صفقة بين الطرفين على حساب الدول العربية والخليجية، وهذا ما حذرت منه شخصيات نافذة الرئيس القادم، أوباما من أي عقد كهذا، وتبقى مسألة الأمن عملية جدلية، إذ هناك روسيا والصين والهند وغيرها لها رؤيتها وتطلعاتها نحو هذا الشريان الحساس، وما لم تكن دول الخليج على قدر من المسؤولية بتشكيل قوتها، فكل الاحتمالات مرشحة لمجهول يعاكس المعلوم..