قيل في السابق إن الصحافة مهنة المتاعب ومن متاعبها الجديدة المبتدعة استخدام الأحذية في الكتابة، وفي توجيه الأسئلة، وتوجيه علامات التعجب، وفي إعداد التقارير والأخبار. أحذية الصحفي العراقي المرسلة مباشرة الى رئيس أقوى دولة في العالم قد تكون في إطار مهنة المتابعة ومن متاعبها أن الأحذية تكون عادة متسخة، وقد تكون ثقيلة فإذا أراد الصحفي حذفها فقد تؤذي ذراعه، كما أنها قد لا تصيب الهدف بشكل دقيق رغم عدم وجود رادارات تكشفها، والأسوأ من ذلك أن الكتابة بالأحذية هي خارج نطاق حرية التعبير المسموح بها دولياً، وهذا يعني أنها ستقود صاحبها الى القضاء. ربما كانت أحذية الصحفي العراقي هي بمثابة المشهد الأخير في مسرحية الإدارة الأمريكية الجمهورية المغادرة وهو مشهد يعبر عن الوضعية التي انتهت إليها صورة أمريكا بنهاية الثماني سنوات الماضية، وهي وضعية لم يتمكن القلم من التعبير عنها فكانت الأحذية هي البديل، كأنها تقول إن سياسة الجزمة تقابل بالجزمة. مشكلة هذا الصحفي أن فعلته سوف تفسر على أنها ضعف في الحجة وعجز عن التعبير، وعدم القدرة على التعامل الحضاري مع حرية الصحافة وأخلاقياتها. والمشكلة الأكبر أن البعض سوف ينظر الى هذا الصحفي نظرة بطولية ويسجل هذا السلوك كإنجاز يستحق أن يدخل التاريخ وربما يتحول الى شعار ثوري من أجل العروبة ومحاربة الاستعمار والامبريالية وتحرير الشعوب. لقد تحول الصحفي الى خبر مثير وبطل في نظر بعض المحبطين من السياسات الأمريكية لكن الحوار بواسطة الحذاء لن يتحول الى مدونة اتهام ضد السياسة الأمريكية وإنما سيكون ثغرة ينفذ منها الإعلام غير العربي ليقول للعالم إننا شعب لا يحترم الكلمة ولا يستحق حرية الصحافة، وليس لديه المؤهلات التي تؤهله لإجراء حوار حضاري. إن التفاعل مع مزاج الشارع العربي المحبط ما كان يجب ان ينقل بواسطة حذاء فهذا الحذاء يسيء الى مشاعر الناس ولو ترجمت تلك المشاعر من خلال كتاب او وسيلة إعلامية لكانت أكثر تأثيراً وتعبيراً. صحيح أن الصحفي دخل التاريخ لكنه دخله من باب الكتابة بالحذاء وهو باب لن يقود الى أي شيء سوى المزيد من الإحباط والإسقاط وترديد الشعارات الثورية التي لم يعد يحفل بها الشارع العربي. في الفصل الأخير من مسرحية إدارة الرئيس بوش تفاوتت ردود فعل المشاهدين. هناك من صفق وهناك من صفر، وهناك من انسحب، وهناك من شارك في الأداء رغم المواقف العلنية المعارضة، وهناك من عبر عن احتجاجه باستخدام الحذاء كما فعل الصحفي العراقي الذي كان يمكن أن يتراجع عن فعلته لو تذكر انه يسقط بفعلته الى مستوى الأفعال التي يحتج عليها. على أي حال، مهما كان الموقف من رسالة الأحذية فإنها وصلت متأخرة الى الرئيس بوش لكنها وصلت الى الرئيس باراك أوباما في الوقت المناسب.