كان العنوان صادماً لي في إحدى الصحف (فصل خطوط معاكسات متلبسات بإزعاج الرجال) وفحوى الخبر أن هيئة الاتصالات فصلت عدداً من خطوط نساء ضُبطن وهن يمارسن المعاكسات، بعدما تقدم بعض الرجال ببلاغات وشكاوى ضد من تسببن في إيذائهم.. ياالله هل وصل الأمر إلى الإيذاء وممن من امرأة؟ وكيف تم ضبطها متلبسة بالتسجيل مثلاً؟ وهل بدأت هيئة الاتصالات الموقرة في مراقبة الهواتف المعاكسة للنساء فقط وأعلنت فوزها بالضربة الفنية القاضية، بعد أن قبضت على عدة هواتف بأسماء نساء وقامت بفصل الحرارة عنها خلال 48ساعة، ونقل الخبر السعيد إلى الشاكي بأنه قد تم فصل الهاتف الذي تلقى منه المعاكسات، ثم ستبدأ في استدعاء النساء المُعاكسات لإيقاع العقوبة النظامية عليهن. الحقيقة أن الخبر في حد ذاته عنصري ومتحيز للرجل وخال من الموضوعية فهل من المعقول أن تضبط نساء فقط متلبسات بالمعاكسة، ولم يُضبط رجل واحد، ولم يفصل هاتفه؟ هل أصبحنا في زمن النساء المتخصصات في المعاكسة البلهاء من هواتف بأسمائهن؟ وما هذا الإعجاز الذي وصلت إليه هيئة الاتصالات بضبط هؤلاء النساء بعد سبعة اتصالات فقط منهن للرجال؟ هل يستدعي أن تتكرر سبعة اتصالات من هاتف باسم امرأة فصله واعتبار ذلك نوعاً من المعاكسة وتحويل صاحبته للتحقيق؟ الخبر يبدو ناقصاً لأنه ليس كل هاتف باسم امرأة تستعمله هي فأنا أعرف كثيرات من النساء المحترمات، وحتى الشابات يستخرجن هواتف بأسماء الأخ، أو الابن، أو ابن الأخ، أو أي أحد في العائلة تثق به، فليس كل هاتف باسم امرأة نفذت منه معاكسات لهاتف آخر، قد يكون من سلمته الهاتف قام بذلك وهو من يستحق العقاب وليس المرأة. الأمر الآخر أنني أستعجب وتتملكني الدهشة من هذا التطور والرد السريع من شركة الاتصالات تجاه الشكاوى المقدمة لها لضبط النساء المعاكسات، واللاتي قد تكون منهن من أعطت هاتفاً لابنها،أو حفيدها، وهي أم محترمة، ويتم القبض بعد سبعة اتصالات من الممكن أن تجري في ساعة واحدة، ولا تكترث الشركة بإصلاح هاتف أعطبه المطر مثلاً لمدة يومين أو ثلاثة. يقابل ذلك أن كثيراً من النساء يتلقين الكثير من المعاكسات من هواتف متعددة، وتضطر المرأة لأن تغلق هاتفها على موجود، أو تجعله صامتاً لتكرار الاتصالات طوال النهار من هواتف متعددة وغير معروفة وهي التي ينبغي ضبط أصحابها. والواقع أنها ليست سبعة بل عشرات، أو حتى مئات، في إحدى الليالي اتصل أحدهم 43مرة في ظرف ساعتين ولم أرد، ولم أشتك، لأن الشكوى لغير الله مذلة، وبعدها غادر إلى الأبد (المشكلة أن أغلب النساء يتعرضن للمعاكسات ويأنفن من الشكوى، ويغيرن هواتفهن ولو كل امرأة اشتكت من المعاكسات لداومت هيئة الشكاوى 24ساعة). صديقة لي وهي شخصية عامة ومعروفة تعرضت للمعاكسات لمدة تزيد على الستة أشهر وهي سيدة وأم محترمة، فاضطرت إلى تغيير كل هواتفها وهواتف أبنائها لأن المعاكس أصبح يتصل على نفس اسم العائلة ليزعجهم، وبلغت الجهات المسؤولة كلها من أدناها إلى أعلاها على الأقل بحثاً عن الحماية من هذا المجنون. وبُلغت ان المعاكس يتصل من مدن عدة، وبهواتف ليست باسمه ومسروقة، ومن أماكن كلما اقتربوا فيها من ضبطه غيّرها، وإلى اليوم لم يعوضها أحد عن حرق أعصابها. هذه صورة لامرأة تعذبت من المعاكسات ولم يُقبض على المعاكس ولم يحول إلى التحقيق. قد تتصل امرأة بسيطة على رقم ما وتكرره على اعتبار أنه رقم أحد أقاربها فهل يتم القبض عليها بعد سبعة اتصالات؟ لست مع النساء لأنني امرأة لكن لابد أن تكون هناك موضوعية في الطرح، وعدم انحياز ضد المرأة واعتبار أن النساء فقط هن من تخصصن في المعاكسات والعكس هو الصحيح فلو نظم استفتاء لاتضح أن 10رجال مقابل امرأة من الممكن أن تُمارس ذلك. الشيء الآخر هل يُعقل أن تعاكس امرأة من هاتف باسمها ولا تعمل مثل الرجل الذي يتخفى خلف بطاقات بدون أسماء؟ هل يُعقل أن لا تخاف المرأة وهي واقعة داخل سرداب من المراقبة؟ كان حرياً بالخبر أن يطرح أن الهواتف بأسماء نساء لكن مستخدميها آخرون؟ أو تم فصل الحرارة عن هواتف مشتركين ومشتركات وليس نساء فقط. ولكن الأهم هو (هل أصبحنا مجتمع نساء يطاردن الرجال ويعاكسنهم؟) وأصبح الرجل هو الطريدة، والمرأة الفارس المُطارد؟ وأصبح هو من يهرب ويشتكي وهي من يُقبض عليها؟ إنه زمن العجائب الذي خلقته هيئة الاتصالات؟