أكد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود أن اقتصاد المملكة العربية السعودية بألف خير ولله الحمد. وأن الأموال السعودية السيادية في مأمن من الأزمة الاقتصادية العالمية. كما أكد حفظه الله أن اقتصاد المملكة متين وقوي وأن خطة الخمس سنوات الإنمائية ستسير وفق ما خطط لها داعياً شعب المملكة إلى أن يكون مطمئناً ومدركاً لذلك، فلن يناله أي خسارة. وقال الملك المفدى "إن الآلة الإعلامية الدولية المرئية والمسموعة في كل مكان من العالم خلقت جوا مخيفاً، وكأن ما يحدث في أميركا يمكن حدوثه في الرياض أو جدة أو أي من مدن المملكة.. الناس أمام هذا الزخم الإعلامي لا تعرف من تصدق.. نحن نطمئن الناس وفق حقائق نعرفها ونلمسها". ورأى خادم الحرمين الشريفين أن ثمة خلافا وصراعا حول مسألة الحوار بين الأديان المختلفة، لذلك دعا أيده الله إلى ممارسة العلاقات المشتركة عبر ما يجمع بين الشعوب من مرئيات متقاربة لأن الكل يريد السلام والاستقرار والأمن والأمان. جاء ذلك في حديث أدلى به خادم الحرمين الشريفين حفظه الله لصحيفة "السياسة" الكويتية أجراه رئيس تحريرها أحمد الجارالله نشرته في عددها الصادر امس. وفيما يلي النص الكامل للحديث: @ سؤال: سيدي خادم الحرمين الشريفين: هل سار مؤتمر حوار الأديان الذي عقد في الأممالمتحدة أخيرا كما خططت له؟ - جواب: العالم يغلي من حولنا ووسائل الإعلام المختلفة تنشط في إشاعة الأخبار السلبية وإبرازها على الأخرى الايجابية فيما يتعلق بتلاقي الحضارات، رغم أن هذه القضية الجوهرية للأمم بأسرها يفترض أنها تحتاج إلى طرح عقلاني واع يدرك حساسيتها ودورها في إنارة طريق الشعوب لا إلى زخم إعلامي يطفئ بريقها خصوصا انه في عقود مضت أدى الصراع بين أتباع الأديان إلى تأجيج الحروب والقتال بين الأمم.. والمملكة العربية السعودية شأنها مع دين الإسلام شأن كبير - بالطبع - كونها أرض الرسالة ومكان الحرمين الشريفين في مكةالمكرمة والمدينة المنورة، ولهذا فإن مسألة الحوار بين الأديان المختلفة كانت تشغلني منذ زمن، وأنا أرى ثمة خلافاً وصراعاً حولها في دول بيننا وبينها مسارات مشتركة، لقد قلت لهم في هذا المؤتمر دعونا نمارس علاقات مشتركة عبر ما يجمعنا من مرئيات متقاربة.. كلنا نريد السلام.. نريد الاستقرار.. نريد الأمن والأمان لشعوبنا ودولنا.. لدينا الكثير مما يجمعنا، والقليل الذي يفرقنا، قلت لهم اتركوا ما اختلفنا عليه للرب عز وجل وليوم الحساب، ولنكن حضاريين في سماع وجهات نظرنا المختلفة، فرسولنا صلى الله عليه وسلم نشر دين الإسلام بالكلمة الحسنى والمنطق، ورسالته الداعية إلى السلام هي التي أقنعت هذا الجمع العظيم من المسلمين بأن يؤمنوا به، وبما جاء به. لقد تجاوب جمع الأممالمتحدة الذي حضر ذاك اللقاء ودارت الأحاديث حوله بما طرحته وقد سعدت بذلك الحضور الذي يدل على اهتمام العالم بعلاقات أفضل بين دوله وشعوبه بعيدا عن حروب الأديان التي - غالبا - ما يتاجر بها أولئك الذين يخلطون بينها وبين الأجندات السياسية القائمة على التمصلح لا الإصلاح والصلاح. @ سؤال: سيدي خادم الحرمين: وماذا عن لقاء الزعماء العشرين الخاص بأزمات العالم الاقتصادية؟ - جواب: لقد حضرت هذا الاجتماع ولم يكن فيه ذاك الضجيج الإعلامي الذي أرعب العالم حيال أزمات بلدانه الاقتصادية. كان التصور لدى هذه الزعامات الدولية يتضمن هدفا لتصحيح المسارات الاقتصادية بلا توتر.. يتحدثون بقناعة مفادها أن ليس هناك ما يصعب حله ويناقشون أفضل الحلول وان كان ما يجب فعله واضح لديهم. فأرقام الأزمات أمامهم وكذلك آلية حلها فنحن لم نصل بعد إلى نهاية العالم.. لقد استمعت معهم للحلول المطروحة، واستفسرنا جميعا عما يجب الاستعلام عنه.. إنني أرى أن الأمر لن يستعصي عليهم، فالمشكلة أمامهم بكل مرئياتها وحلولها على الطاولة ولا اعتقد أن هذه الأزمة هي نهاية المطاف، بل هي تصحيح لأوضاع سائدة كانت بحاجة إلى تصحيح، حتى لا تصاب اقتصادات العالم بما أصيبت به، وعلى كل ليست هذه هي الأزمة الأولى التي مرت باقتصادات الدول، فهناك أزمات عدة مضت ولكننا لم نكن نتابعها مثل اليوم وذلك بفعل تطور تقنيات الإعلام ووسائل الاتصالات عن ذي قبل، فالعالم حاليا - في ظل التطور التقني - يبدو وكأنه مدينة صغيرة تعرف بلمح البصر جنوبها وشمالها وغربها وشرقها.. تعرف ما يحدث فيها في التو واللحظة. @ سؤال: سيدي خادم الحرمين: يقال إن الولاياتالمتحدة الأميركية طلبت منك مئة وعشرين بليون دولار، كما طلبت مبالغ أخرى كبيرة من دول خليجية أخرى، وذلك لمساعدتها على تجاوز أزمتها المالية... ما صحة ذلك؟ - جواب: لم ولن يحدث، فأميركا ودول الغرب وحتى دول الشرق المتأثرة بما حدث من أزمة مالية لديها اقتصادات عملاقة ولن تكون بحاجة إلينا...وأحب أن أطمئنك أن لا شيء من هذا الأمر. لقد سمعت بهذا الخبر لكنه عار عن الصحة تماماً. هذه الدول لها تبادلات اقتصادية أرقامها ليست بالبلايين بل بالتريليونات، واقتصاداتها عملاقة وغير محتاجة إلى دول المنطقة، هذه الدول أرقام ناتجها المحلي خيالية ولا يمكن مقارنتها بالناتج المحلي في بلداننا. فهم ليسوا بحاجة لنا. @ سؤال: سيدي خادم الحرمين هل تتوقع أن يطول أمد هذه الأزمة وما مدى تأثيرها علينا؟ - جواب: خبراء المال وقادة الدول الكبرى التي تأثرت بالأزمة يتوقعون لها أن تنتهي خلال سنة ونصف السنة، فما يحتاجونه - كما يقولون - هو إعادة الثقة وطمأنة الناس، واعتقد أن تلك الاقتصادات العالمية الضخمة إذا عرفت سبيل التعاون فيما بينها فإنها ستصبح حينها قادرة على تجاوز هذه الأزمة كما تجاوزت أزمات سابقة. صحيح أنها لم تكن بنفس الحدة لكنها كانت أزمات وجدت طريقها إلى الحل، أما عن الشق الآخر في سؤالك بشأن مدى تأثير الأزمة علينا فأقول: نعم أثرت، فقد خلقت توتراً وخوفاً، فرأس المال جبان، والناس أمام هذا الضخ الإخباري الإعلامي المرئي والمسموع عن هذه الأزمة وامتدادها ورحيلها من بلد إلى آخر أصابها القلق، بعضهم يبحث عن مكان آمن لثروته وأمواله، والبعض الآخر يريد انتهاز الفرص.. لقد أصبح الناس لا يصدقون إلا ما في أيديهم، وهذه حالة لن تطول. @ سؤال: سيدي خادم الحرمين: هل معنى حديثكم هذا أنكم لم تتضرروا؟ - جواب: كدولة وأموال دولة لم نتضرر، ففوائض نفطنا في مأمن، ولم تتعرض إلى أي إشكالات في الأسواق العالمية، كما أن القطاع الخاص لديه القدرة على أن يحمي أمواله واستثماراته. وبالنسبة للأشقاء في دول مجلس التعاون لا أعرف بالضبط حجم تأثرهم بالأزمة، إلا أنني آمل عدم تعرض فوائضهم المالية واستثماراتهم السيادية لأي خسارة قليلة كانت أو كثيرة.. أتمنى ذلك مع التأكيد على أننا - وبحمد الله ولطفه - كنا بعيدين عن تأثيرات هذه الأزمة واقصد هنا أموالنا السيادية. الشيء الذي تضررنا به هو ذعر الناس وكأنهم أمام افتراض مفاده أن ما حدث في أميركا أو دول الغرب سينال منهم، وبنفس الوتيرة التي حدثت هناك. @ سؤال: سيدي خادم الحرمين: هل أنتم مستمرون في خطتكم الإنمائية الخمسية والتي رصدتم لها مبالغ كبيرة؟ - جواب: خطة الخمس سنوات الإنمائية ستسير وفق ما خطط لها، والإنفاق عليها هو رقم معلن ربما وصل أكثر من مئتي بليون دولار، وهذا بخلاف ما تم رصده للميزانيات القادمة بكل ما فيها من مشاريع إنشائية وعمرانية وبنية تحتية.. اقتصاد بلدنا متين وقوي وعلى شعبنا أن يكون مطمئناً ومدركاً لذلك، فلن ينال هذا الشعب أي خسارة، انه فقط ضحية ذعر لا مبرر له.. واكرر واكرر إن بلادنا بخير. @ سؤال: سيدي خادم الحرمين: لكن الناس مصابة بالذعر لما يحدث في أميركا وأوروبا وأسواق العالم. - جواب: نعم.. الناس مصابة بالذعر وهو ذعر لا مبرر له، ولا علاج له إلا بإعطاء القائمين على معالجة الأمر بعض الوقت.. قلت لك في بداية الحديث إن الآلة الإعلامية الدولية المرئية والمسموعة في كل مكان من العالم خلقت جوا مخيفا، وكأن ما يحدث في أميركا يمكن حدوثه في الرياض أو جدة أو أي من مدن المملكة.. الناس أمام هذا الزخم الإعلامي لا تعرف من تصدق.. نحن هنا نطمئن الناس وفق حقائق نعرفها ونلمسها، فعندما نقول إن الأموال السيادية السعودية في مأمن من الأزمة الاقتصادية العالمية فإننا صادقون في قولنا، وحينما نقول للشعب إننا ماضون في خطط التنمية وفق مسارها المعلن فنحن نقول هذا بصدق فليس لدينا ما نخفيه.. أرقام الموازنة والتنمية جميعها مطروحة أمام الشعب، والجهاز الحكومي كله من أبناء هذا الشعب، وهو الذي يضع هذه الأرقام ويشرف عليها إنفاقا واستثمارا.. هناك البعض ممن تدفعهم الهواجس إلى التنقل من مكان استثمار إلى آخر بحثا عما يسمى بالملاذ الآمن، هؤلاء يخلفون وراءهم بعض الذعر لدى الناس الذين نجدهم يتنقلون من سوق الأوراق المالية إلى سوق العقار ومن الأخير إلى سوق العملات وهكذا، والمحصلة إنهم لو صبروا بعض الوقت لوجدوا أن ما خافوا منه غير موجود على الإطلاق. اقتصاد بلدنا بألف خير، والأزمة العالمية ربما خلقت بعض التباطؤ الذي نجم عن الذعر الذي ساد العالم بسبب هذه الأزمة، ولكنه - كما قلت لك - ذعر غير مبرر رياحه تهب وتنتهي. @ سؤال: سيدي خادم الحرمين: لكن ها هو النفط تتراجع أسعاره.. ألا يعد ذلك مؤثرا على حجم الإيرادات المالية للدول النفطية؟ - جواب: نعم هذا الأمر يؤثر، ونحن نرى أن السعر العادل للنفط هو خمسة وسبعون دولارا للبرميل، فالأسعار العالمية السابقة للنفط لم تكن موازناتنا مقومة عليها، بل محددة على سعر آخر اقل، وما زاد نعتبره فوائض للاحتياطات والأموال السيادية.. النفط يا أخ احمد مادة مهمة وهو عصب الصناعة الدولية الذي لا بديل عنه للطاقة حتى الآن، وسيظل هو المصدر الرئيسي والكبير لموازنات دول المنطقة التي تملك ثلث احتياطي العالم، ومع الزمن ستكون هناك موارد أخرى قد تكون بأهمية المورد النفطي.. دول المنطقة ومن بينها السعودية حباها الله بخير وفير، وعلينا أن نشكر نعم المولى عز وجل علينا.. واكرر لك القول بأن النكبات الاقتصادية العالمية لسنا معنيين بها ولن تضرنا، وان كان لها ضرر فهو ذعر العامة والتفاعل معها بشكل خاطئ، وربما كان هناك تباطؤ بحركة التجارة بفعل من يوقفون الإنفاق وينتظرون خوفا مما سيأتيهم، إلا إننا لا نلوم أحدا، فالذعر على المال علاجه - كما قلت لك - بعض الوقت. @ سؤال: سيدي خادم الحرمين: ألا تعتقد أن ما حدث ربما زاد من توحد المصالح بين دول مجلس التعاون الخليجي؟ - جواب: نعم نأمل أن يكون ما شهدته اقتصادات العالم دافعا لمزيد من ربط المصالح بين دول المنطقة، كما آمل عدم تأثر اقتصاد دول المجلس الخليجي بما حدث في الأسواق الدولية، وان كان غير ذلك - لا قدر الله - أتمنى ألا يكون هذا التأثير موجعا.. وعلى كل هذه الأزمة ربما حفزت دول مجلس التعاون على مزيد من ربط مصالحها، وهذا ما نريده وما نسعى إليه لنكون بذلك قد استفدنا من دروس ما حدث. دول المنطقة غنية وأمامها إنفاق ضخم تقابله موارد ضخمة، وبحد أدنى من تعاون نوايا طيبة نستطيع أن نخلق تكتلا اقتصاديا سياجه قوي أمام العواصف الاقتصادية العالمية. @ سؤال: سيدي خادم الحرمين: أخيرا.. هل المملكة واقتصادها بخير؟ - جواب: إنها بألف خير والحمد لله.. انقلها عني وأسمعها للقاصي والداني: ليس لدينا إلا الخير بل الخير كله بفضل الله وكرمه.. قليل من الذعر سينهيه قليل من الوقت. @ سؤال: سيدي خادم الحرمين: سؤال آخر وأخير: ما الذي كان يشغل عقول زعماء الدول العشرين وأنت تجتمع معهم؟ - جواب: قلت لك هؤلاء اقتصادات بلدانهم بالتريليونات، ودخولهم الوطنية ذات مبالغ عالية ومخيفة، لكن مسارات هذه الدخول وإنفاقها يتم بشكل مدروس ودقيق، ربما يتعرض لبعض الإشكالات، لكن ليس لديهم أزمة بلا حل، وقد يتحول مردود هذه الأزمة من سلبي قاتل إلى إيجابي نشط تعاد معه الحسابات وتعالج أوجه الخلل لمستقبل أفضل. لقد لاحظت أن ما يشغل زعماء الدول العشرين في اجتماعهم هو العمل على أن لا تخلق هذه الأزمة وراءها بطالة عمالية، كون هذا الأمر مقلقا لهم، أما باقي الأشياء كحجم الإنفاق والتباطؤ الاقتصادي والذعر الشديد الذي أصاب الناس، كل هذا له علاج لديهم عبر ترشيد الإنفاق لبعض الوقت.. لقد كان أمر العمالة والبطالة محل اهتمام الزعماء العشرين، وعلى كل هؤلاء لا ينقصهم الفهم لسبل معالجة أزماتهم، وهذا ما لاحظته وبدا جلياً خلال اجتماعي معهم.