لا شك أن هناك نوعاً من الاجماع من قبل العاملين في قطاع المال والاستثمار المالي، على أن المصارف الإسلامية بمختلف منتجاتها وأنشطتها حققت مكانة مالية متميزة على الرغم من قصر عمرها قياساً للبنوك التقليدية، لكن هذا لا ينفي أن هناك نوعاً من الانتقاد والهجوم إن جازت التسمية على المصارف الإسلامية وعدم مقدرتها على مواجهة مختلف التحديات، وبهذا الصدد فقد أشار استطلاع أجرته (إيكونومست إنتلجنس يونيت) إلى أن الصناديق المشتركة الإسلامية في الشرق الأوسط لا تزال متواضعة في أعدادها وفي الأموال الخاضعة لإدارتها وهي لم تزدهر حتى الآن. وفسر التقرير الناتج عن الاستطلاع أن من بين الأسباب التي تقف وراء تباطؤ خطى التطور في قطاع المال الإسلامي هو عدم توافر مديري الموجودات العالميين والموظفين المحليين الذين يتمتعون بالمهارات اللازمة والخبرة في مجال الهيكلة. ومع ذلك فقد تضمن التقرير إشارة إلى أن منتجات التمويل الإسلامي ستشهد زيادة كبيرة في الطلب عليها في السنوات الثلاث المقبلة بنسبة تقترب من 60٪. ولفت التقرير إلى أن هناك عاملاً مهماً يسهم في تحفيز اسوق، هو توحيد العقود الخاصة بالمنتجات الإسلامية، كعقود مرابحة بيع السلع وتوحيد قوالب الصناديق المشتركة، الأمر الذي من شأنه أن يساعد على ايجاد السيولة في السوق ويقلل من تكاليف العمليات التجارية. وذكر التقرير أن إدارة الموجودات في بلدان مجلس التعاون الخليجي الستة تتقدم بثبات إلى الأمام، وأسهمت عوامل عديدة من قبيل وفرة السيولة التي نتجت عن ارتفاع أسعار النفط والغاز وذلك قبل الأزمة المالية العالمية، والوعي المتنامي بين المستثمرين، وترحيل الموجودات من أمريكا بعد أيلول 2001م، وتطوير نظام التمويل الإسلامي.. كل هذه الخطوات أسهمت في ايجاد بيئة مزدهرة للبنوك المحلية والدولية. التمويل الإسلامي يعتقد كثير من المختصين والقائمين على قطاع المال أن العقود القليلة الماضية شهدت تطوراً كبيراً في عالم التمويل الإسلامي، خصوصاً في مجال الرهن الإسلامي وأدوات الدين الإسلامية كالصكوك، وعلى صعيد التمويل كالسلع والمشروعات. لكن هذا لا ينفي أن هناك من يقول إن إدارة الموجودات والصناديق لم تزدهر على النحو نفسه. لافتين إلى أن قطاع الاستثمار الإسلامي والصناديق المشتركة الإسلامية حتي الآن يقع تحت هيمنة الصناديق التي تعمل وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية التي تقدمها البنوك التي ما زالت متواضعة في أعدادها وفي الأموال الخاضعة لإدارتها. ومع ذلك يمكن الإشارة إلى أن هناك اتفاقاً واسع النطاق على أن مزيداً من المنتجات التي تتفق وأحكام الشريعة الإسلامية ستجد طريقها إلى السوق، سواء أكانت من قطاع التجزئة أو المؤسسات أو كانت منتجات غريبة غير مألوفة. حيث تشير كثير من التوقعات إلى أن منتجات التمويل الإسلامي ستشهد زيادة كبيرة في الطلب عليها، ما يستلزم وفق خبراء أنها في سبيلها إلى توفير حقائب أوسع من المنتجات الإسلامية. يعتقد البعض أن المنحى الذي ستتخذه إدارة الموجودات الإسلامية يعتمد على السوق وعلى مجموعة المستثمرين، ويشار هنا إلى أن السعودية هي أكثر الدول تمسكاً بالصناديق التي تعمل وفقاً لمبادئ الشريعة الإسلامية. ولكن يختلف المشهد بعض الشيء في بقية دول الخليج، حيث لا يرى المتابع تصلباً كبيراً إزاء تفضيلهم هذه الصناديق المنتجات الاستثمارية التي تتفق وأحكام الشريعة الإسلامية. وبهذا الصدد يؤكد المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط في بنك رويال الاسكتلندي الدكتور ملهم علواني، أن التحدي الأكبر هو الواقعية في التقييم، إذ يمكن أن تحدث طفرة غير معقولة في الأسعار في أي مكان، وحتى الأسواق المتقدمة والناضجة يمكن أن تسقط ضحية خطأ عقلية القطيع. أصول المصارف الإسلامية تتزايد مع كل الملاحظات والانتقادات وحتى الهجوم على المصارف الإسلامية، إلا أن المشهد على الأرض يقدم حقيقة مختلفة لحد ما، فقد كشف تقرير اقتصادي حديث أن حجم الصناعة المالية الإسلامية يبلغ نحو 800 مليار دولار، وتبلغ الأصول المستثمرة في الصناديق الإسلامية نحو 44 ملياراً، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 59 ملياراً. وتوقع التقرير الشهري لشركة سبائك للإجارة والاستثمار أن يبلغ عدد صناديق الاستثمار الإسلامية نحو 700 صندوق نهاية العام الجاري و950 صندوقاً بحلول سنة 2010 وأكد التقرير الذي أوردته وكالة الأنباء الكويتية أن صناديق الاستثمار الإسلامية شهدت نمواً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، وخاصة في عامي 2002 و2003، نتيجة ارتفاع مستوى السيولة وتغير استراتيجية الاستثمارات في الخليج ونضوج أسواق المال في المنطقة. وأشار التقرير إلى أن عدد الصناديق الإسلامية في نهاية الربع الأول من العام الجاري بلغ نحو 650 صندوقاً في الوقت الذي تأسس فيه نحو 158 صندوقاً في عام 2007 بزيادة 105% عن 2006، وأوضح التقرير أن صناديق الأسهم تمثل 52% من إجمالي السوق، تليها صناديق العقار والملكيات الخاصة ب18% لحصتيهما مجتمعتين، وتمثل صناديق النقد 13% وصناديق الدخل الثابت 6% وأضاف أن باقي الحصص تتوزع على أنواع مختلفة من الصناديق أبرزها صناديق الإجارة التي تعتبر الأسرع نمواً وتمثل 4% حالياً من إجمالي الصناديق الإسلامية. ومن ناحية التوزيع الجغرافي، استمرت الصناديق وفقاً للتقرير بالنمو في أسواقها التقليدية في الشرق الأوسط بنسبة 29% وفي آسيا والباسيفيك بنحو 34% وأضاف أن أوروبا وأمريكا الشمالية تضم 15% من العدد الإجمالي للصناديق في حين بدأت مناطق أخرى حول العالم تقدم قيمة مضافة إلى هذا النوع من السلع مثل مصر وإندونيسيا وباكستان. وتتمثل أبرز التحديات التي تواجهها الصناديق الإسلامية في منطقة الشرق الأوسط في القوانين والتشريعات المتأخرة نسبياً التي تحكم إدارة الأصول في المنطقة إلى جانب شدة المنافسة وطبيعة إدارة المخاطر. وعلى صعيد متصل، يشهد قطاع المصارف عالمياً منافسة قوية من جانب البنوك الإسلامية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية أمام البنوك التقليدية، فقد حققت أصولها خلال السنوات الخمس الماضية نمواً بلغ 23% كما تخطت الاستثمارات التمويلية الإسلامية 400 مليار دولار.وبهذا الصدد لا بد من الإشارة إلى أن صناعة المال الإسلامية برزت بين عامي 2002 و2003، ويرجع السبب الرئيس إلى زيادة السيولة المحققة من الثروة النفطية في دول مجلس التعاون الخليجي. وتبلغ نسبة الصناديق الإسلامية سنوياً على مستوى العالم 53 في المائة، منها 15 في المائة في السعودةي، و10 في المائة في دولة الكويت، و6 في المائة في البحرين، وأما الحصة الكبرى في ماليزيا بنسبة 22 في المائة. وتضاعفت صناعة المال الإسلامي بين عامي 2005 و2007، إلى 600 صندوق في نهاية العام الماضي، بنسبة نمو 52 في المائة، منها 37 منتجاً في السعودية تتميز بأنها متعددة الإدارة. ومن المتوقع أن يصل حجم الاستثمارات الخارجية في دول مجلس التعاون الخليجي في السنوات المقبلة 700 مليار دولار، منها 44 مليار دولار في الصناديق الإسلامية. وبحسب مدير الإعلانات العامة والمالية بالشركة الكويتية للاستثمار عبدالصمد حاجي فإن الصكوك والصناديق الإسلامية فرضت نفسها بقوة في سوق الأدوات المالية الإسلامية وأصبحت بديلاً عن السندات الحالية العادية التي يتم تداولها في البنوك التقليدية. مؤكداً أن الاستثمار عن طريق الصكوك والصناديق الاستثمارية شهد نجاحاً باهراً في الآونة الأخيرة نظراً لما تتيحه تلك الأدوات من إمكان تقليل المخاطر وما تدره من عوائد مجزية.ومع ذلك هناك أصوات تشير إلى ندرة الصناديق الإسلامية البديلة، عازية تلك الندرة إلى أن مثل هذه الصناديق تستهلك الوقت ومن الصعب تدشينها. فصندوق التحوط التقليدي يستغرق في المتوسط عاماً ونصف العام للتحول من كونه محض فكرة إلى واقع بالأسواق. وفي المقابل، نجد أن أي صندوق ملتزم بالشريعة الإسلامية يتطلب ما لا يقل عن ثلاث سنوات لتدشينه. كما أن للصندوق الإسلامي معوقات لا تعاني منها صناديق التحوط التقليدية، خصوصاً في ما يتعلق بإنشاء ورقة مالية مطابقة للشريعة والحصول على موافقة عليها من قبل علماء الشريعة. وهذا أمر يستغرق وقتاً وصبراً. ويشار إلى أن استحداث أي استثمار بديل من أي نوع مطابق للشريعة هو في حد ذاته أول عقبة. والعقبة الثانية هي استقطاب مديرين على مستوى عال من الكفاءة مع الوضع في الاعتبار أن الكثير منهم يحبطون نظراً للقيود التي يشعرون أنهم سيواجهونها. وتتمثل العقبة الثالثة في إدارة كل شيء بشكل فعّال غير مكلف بما يتفادى خلق أية تكاليف إضافية مستمرة للصندوق، وضمان أن إدارته لن تتجاوز على صعيد التكلفة إدارة الصندوق التقليدي. ولكن يبقى من المهم القول إن الخطوة الأولى في مشوار بناء صندوق مطابق للشريعة هو إنشاء لجنة شرعية إشرافية تصدر أحكاماً بشأن مشروعية هيكل الصندوق المقترح. ومن المهم أن نفهم أنه لا يوجد مسار واحد للتفكير في الإسلام؛ بل هناك العديد من المذاهب والمدارس.