في صباح أحد الأيام بعثت لي صديقة برسالة جوال متضمنة (لكَ 10دقائق للإجابة.. عندك فحم وجنبك جدار ماذا ستكتب عليه؟) مباشرة بعثتُ بجمل طويلة ومختلفة وأظن أنني لم أُبقِ مساحة في الجدار .. أخذت الرسالة وأرسلتها إلى ما يقارب 60شخصية رجالاً - نساء، وشرائح مختلفة مع اختلاف وقت الإرسال فهناك من أرسلت لهم في الصباح الباكر وآخرون في المساء، والليل، لعلمي أن لكل فترة مزاجاً مختلفاً. طبعاً أنا أعرف جيداً أن كل من أرسلت لهم ليسوا من فئة كتبة الجدار والعبث بالمرافق العامة، علماً أن الكتابة على الجدران ليست من العبث فالمؤذي ليس فعل الكتابة ولكن ما يكتب، هناك قرى ومدن في دول أوربية جمال جدرانها بما كتب عليها من جمل وعبارات تجبرك على الوقوف أمامها وكأنك تتأمل لوحة فنية بديعة، كما أن لدينا عدداً من المدارس والجهات تزين جدرانها بالكتابات الهادفة والجمل المفيدة، المهم أنها جاءتني ردود رائعة ومختلفة منها دعاء - كوميدي - أمنيات - عاطفي - محبط - مثالي. هناك شخصيات كنت اعتقد أن إجاباتهم ستكون عميقة ومؤثرة إلا أنهم اتصلوا بي معتذرين فلم يجدوا ما يكتبونه وقد ظهرت الحيرة فعلاً على أصواتهم!! ..من كنت أعتقد أن إجاباتهم ستكون مرحة كانوا جادين جداً وكأنهم في امتحان ثانوية عامة!! ومن كنت أنتظر منهم إجابات جادة جاءت في منتهى الفكاهة المبكية!!. هذه ليست مطالبة بأن تؤخذ الحياة بمرح وتهريج ولكن يبدو أننا لا نعرف كيف نعيش فنأخذ الحياة على وتيرة واحدة أما هزل طوال الوقت أو جدية علماً أن جمال اليوم ما كان إلا لوجود الليل والنهار، النور والظلام، الشمس والقمر، فضلاً عن أنني لمست عدم استيعاب البعض لفحوى الرسالة وأعتقد أن السبب خروجها عن النمطية التي يسير عليها يومنا وحياتنا، كما أتصور أن البعض رأى في الكتابة على الجدران تشويهاً لصورته وهذا ما جعل صديقة بعد أن أرسلت إجابتها تستدرك برسالة سريعة (الكتابة على الجدران سلوك غير حضاري). هذه الأسئلة تمارين للعقل والنفس فهي تخرجها عن نمطها، وتتيح للعقل فرصة التخيل، نحن لا نجيد فن الخيال وقد لا ننظر إليه بعين الأهمية، علماً أن ثورة تطوير الذات التي شاعت في المجتمع تدور في دائرة تنشيط الخيال، وثبت علمياً أن الخيال هو أول وأهم مفاتيح الإبداع، لذا جاءت أهمية لعبة ماذا لو؟ وهي لعبة تعني بأن تقول لنفسك مثلاً ماذا لو كان لي أجنحة وحلقت في السماء؟ كثيرون لا يستطيعون حتى أن يتخيلوا هذا الموقف!! هذه الصعوبة هي من أسباب وقوفنا في أماكننا فخيالنا ليس لديه مرونة التغيير!! تنفيذ ماذا لو على أرض الواقع فتح أبواب النجاح والشهرة والمال أمام مغمورين وجعلهم في الصفوف الأمامية؟ أفلام الكرتون التي ينجذب لها الكبار قبل الصغار ألم يكن مصدرها الخيال؟! الألعاب لولا الخيال لما تنوعت وتعددت، ميزة الشعوب المتقدمة تقنياً وثقافياً خيال شعوبها الخصب جداً لذا كل يوم هم في حال أفضل. كثيرة هي الرسائل الجميلة التي وصلتني منها لعميدة كلية أرسلت لها الرسالة في الصباح الباكر (على جدران الكلية.. بص شوف بنات كلية..... بيعملوا أيه بأم....) تقصد نفسها، كما أرسلت لي صديقة خيالها رائع (مطلوب عريس غني وفيلا) علماً أنها متزوجة وأم لثلاثة أطفال، بعد مرور ساعتين جاءتني رسالة أخرى (معليش أمسح اللي كتبت وأكتب شي ثاني؟) فقلت لها: اذهبي للجدار الآخر!