هذا هو المقال الخامس والأخير في سلسلة مقالاتي عن المرأة في مجتمعنا المسلم - ومنطقي فيما أوردت من أفكار هو حرصي على إبراز صورة مشرقة لهذا الدين العظيم - الذي ندين لله به - ديناً سامياً راقياً في كل أموره.. ونحن مأمورون بالدعوة له، وإظهاره لغير معتنقيه بالصورة الحقيقية التي هو عليها.. ونحن في زمن زالت فيه الحواجز، وأصبحت شعوب العالم يعرف كل منها حقيقة الآخر، ودينه، وممارساته. @@@ ونحن لن نتنازل عن ثوابت ديننا، ولا نتهاون في التمسك بحقائق شريعتنا، وعلينا أن نعمل على إزالة كل ما من شأنه إساءة الفهم لهذا الدين.. ولا يكفي القول الذي نردده عن عظمة هذا الدين، وأنه متميز في تقديره للإنسان عامة ولملرأة خاصة دون أن يصاحب هذا القول عمل وسلوك اجتماعي يؤكد حقيقته. ولم يعد مقبولاً اليوم ما كان يمارسه البعض تجاه حياة المرأة وسلوكياتها المصونة - من تزمت، وريبة، وتضييق عليها - ليس من أصول الشريعة السمحة في شيء. @@@ ونحن نعلم جميعاً في المملكة العربية السعودية أن قضايا المرأة تأخذ مساحة كبيرة من الحوارات والكتابات الإعلامية، وحديث المجتمع بكل فئاته.. والمملكة العربية السعودية حين أقدمت على خطوة جريئة منذ ما يقارب خمسين عاماً - وهي فتح المجال أمام المرأة للتعليم إلى أعلى المراحل تعرف أن له نتائجه الإيجابية - وقد اتضحت لنا اليوم آثارها الحسنة، وحتى الذين وقفوا موقفاً معارضاً آنذاك.. أصبحوا أكثر الناس مطالبة بالتوسع في تعليم الفتاة.. وما دمنا قد أخذنا بهذه المقدمات فلا بد أن نكون مستعدين للنتائج التي لم تأخذنا على غرة.. إذ لا سبيل للحديث عن تعليم الفتاة، وبلوغها أعلى الرتب العلمية دون الحديث عن مجال العمل بالنسبة لها. وسؤالي الدائم: هل تحقق المرأة عزتها وطموحها من مجرد اكتساب العلم (العلم للعلم)؟ أم إنها حين تكسب العلم فإنها اكتسبته للعمل به، والمساهمة في تنمية المجتمع وتطوره؟ والجواب عندي: أنها اكتسبت العلم، وثابرت في تحصيله للأمرين معاً. @@@ وإذا كانت المملكة قد خطت خطوات هائلة في تعليم المرأة من منطلق العلم للعلم في معظم الحالات، أو العمل الذي لا يثور في شأن صلاحية المرأة له أي تساؤل، فإنه يحسن الآن النظر من أفق جديد، أوسع وأرحب، إلى مسألة عمل المرأة لتحقيق ما يرجى منها من فائدة فردية واجتماعية، ومع درء ما قد يخشى وقوعه نتيجة لبعض التجاوزات من أمور لم نعتد عليها في مجتمعنا - وليتذكر إخواننا واخواتنا المتخوفون - من خروج المرأة للعمل في أدب واحتشام، والتزام بتعاليم الدين أن بقاء المرأة في فراغ بيتي موحش لا يمنع من وقوع مفاسد نأسف لها جميعاً، ونتكتم أنباءها؛ لئلا تشيع قالة السوء في مجتمعنا، والعمل الجاد المثمر قد يقلل من كثير مما يقع ونعرفه، ومما يقع ولا نعرفه. @@@ والرأي عندي أن يكون توظيف المرأة في مجالات تصلح للعمل فيها، بمؤهلاتها، وقدراتها، وصلاحيتها، مراعياً طبيعتها وحدودها، وألا تكون هناك خلوة يحرم الشرع حدوثها. @@@ ومع أن الأولوية لجهد المرأة ووقتها يجب أن يكون لرعاية أطفالها وبيتها؛ وأن أي عمل تقوم به بجانب ذلك ينبغي ألا يكون فيه ابتذال لها، أو مساس بكرامتها، على أي نحو كان، فإن الرأي الذي ينادي بأن المرأة لم تخلق للعمل، وأن دورها في الحياة مقصور على قيامها بالأعمال المنزلية رأي لا يقوم على أساس ديني أو علمي صحيح، وهو ينافي الواقع التاريخي للبشرية كافة. ففي تاريخنا الإسلامي، وفي صدر الإسلام خاصة الكثير من الأدلة والمواقف التي تدحض قول الذين يعارضون عمل المرأة وفق شرع الله تعالى. @@@ ولنكن على علم أنه لا سبيل إلى عزل مجتمعنا عن غيره من المجتمعات، لقد أصبحت وسائل الإعلام المسموعة، والمرئية، والمقروءة ميسرة لكل الناس على مختلف مستوياتهم الثقافية، وأعمارهم، ومقار سكنهم، لأن المجتمع يتأثر بكل ما يجري حوله في المجتمعات الأخرى، فإن علينا أن يكون تأثيرنا أفعل، وحجتنا أقوى، ولن يتحقق ذلك إلا بمشاركة رجالنا ونسائنا في عمل هذا التأثير عن اقتناع، وباندفاع، ساعين لإزالة أسباب ما يفسد الصحة النفسية التي هي الشرط الأساسي لسلامة المجتمع، مشاركين جميعاً في الحياة الاجتماعية السليمة بصورة صحية طبيعية، متعاونين في تحقيق النماء الثقافي والاقتصادي، من خلال التوظيف الكامل في مؤسساتنا العامة والخاصة لكل القوى البشرية المؤهلة من مواطني المملكة؛ لتكون كلها مسهمة في الإنتاج والعطاء لخير البلاد. @@@ ولنتذكر أنه إذا كان ديننا الإسلامي يقرر في محكم الكتاب في علاقة الرجل بالمرأة أن النساء (لهن مثل الذي عليهن بالمعروف). فإن العلاقة المجتمعية لا بد وأن تكون مقيدة بهذا القيد، وبهذا المعيار تقاس كل أمونا. @@@ وعلينا جميعاً أن نؤكد في ممارستنا قناعتنا بحقيقة هذا الأمر، وأن نعمل من الآن على تدارك هذه المشكلة، قبل أن تكون أمراً مستحيلاً أو بالغ الصعوبة، وقبل أن تتحول من قضية تثير النقاش والبحث عن حلول إلى فواجع اجتماعية فردية وجماعية، نتيجة الفراغ والإحباط، وقتل المواهب، وتبديد القدرات والطاقات.. مجموعة كلها مع ترف تعيش فيه نسبة من أبناء وبنات هذه البلاد. وقديماً قيل: إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة @@@ إننا نمر بمرحلة دقيقة تحتاج منا إلى أن يكون الرضا النفسي سائداً عند رجالنا ونسائنا. إني أحسّ بتململ عند كثيرات من نسائنا المؤهلات من خلال ما أقرأ لهن في الصحف ووسائل الإعلام عامة، نتيجة النظرة الدونية من بعض الرجال إليهن - مهما علا قدرهن العلمي - وزاد فضلهن العملي - وتعدد عطاؤهن الاجتماعي.. @@@ كم هو مزعج لي ولمن هو مثلي حين نرى بعضنا يتصرف وكأن المرأة مخلوق غريب، لا يتمتع بصفات إنسانية مثلنا، ولتكن تصرفاتنا وسلوكنا كلها تنم عن ثقتنا المتبادلة بين الرجل والمرأة، ولنعلم أنه كما يغار الرجل على المرأة فإنها تغار عليه أكثر، وعلى نفسها أيضاً.. وأن الاحترام والتوقير يجب أن يكونا أمرين متبادلين عن قناعة بين الجميع. @@@ إن كل ما أطالب به أن نتخلص من نظرة مشوهة عن علاقة الرجل بالمرأة، تصل عند البعض إلى حد تُرى المرأة فيه على أنها حمل وديع، وأن الرجل وحش كاسر، فإذا التقيا حدث الافتراس بلا رحمة، والحقيقة الناصعة أن هناك من موانع أخلاقنا وسور ديننا ما يحميها من مثل هذه الافتراسات، والشذوذ موجود في كل الأعمال - وفي كل زمان ومكان - وحتى هذه الاحتياطات المبالغ في الالتزام بها لن تمنع مكروهاً أو محرماً أن يقع لا قدر الله - إذا فسدت الأخلاق، وطويت الصدور على المكروهات. @@@ وفقنا الله جميعاً إلى الخير والصواب، والأخذ بأسباب القوة مهما غلا ثمنها، اللهم اجعل صدورنا سليمة معافاة، وأمدنا يا ربنا بتأييد من عندك وتسديد.