لا أتوقع أن أجد امرأة سعودية ولا يكون في حقيبتها مسكّن للصداع "بنادول" أو فيفادول .. والحقيقة أنها ظاهرة على الأقل في أغلب من عرفتهن في العمل أو في السفر أو في المناسبات حيث إن كل الحقائب لا تخلو من مُسّكن صداع، وكل النساء يداهمهن الصداع المستمر الذي أصبح مرض العصر والذي صنف أخيراً في أمريكا بأنه المرض رقم واحد، نسافر وأول ما يوضع معنا في الحقائب البنادول وإن كنت قد انتقلت منه إلى الفيفادول بناء على تجربة صديقة، ويبدو نفسياً أننا نتعلق وهماً بهذا العلاج ولذلك لا تعدم من تنسى دواها أن تجده مع الأخرى، والواقع أن هناك إحساسا غريبا بالتوازن نشعر به إذا وضعنا هذه الحبوب، أو الكبسولات داخل الحقائب، وكأنها حرز ضد الألم، أو ضد مداهمة الصداع المفاجئ.. قريبة لي منذ سنوات ذهبت إلى مدرسة ابنتها في الصف الرابع لتسأل المعلمة عن مستواها، وكانت المعلمة من النوع الكوميدي والذي يمتلك سرعة بديهة فقالت لها: ان ابنتك لا تكفيها علبة بنادول واحدة وبنادول اكسترا وليس العادي أين أنت منها؟ لم تفهم الأم وكانت من النوع الخجول فعادت تسألها يعني هل البنت ضعيفة، تحتاج إلى متابعة؟ قالت لها تحتاج إلى الدكتور وليس المعلمة.. اتصلت الأم عليّ مستغربة من كلام هذه المعلمة والتي كانت زميلة لي منذ أيام الدراسة، فلم أتمالك نفسي من الضحك وسألتها قبل أن أجيب، يعني ابنتك كيف هو مستواها؟ ردت ببرود يعني بالجازاني (قومه وقعده) يعني ضعيفة وتحاول أحياناً لأنها تفتقد إلى المتابعة من الأم والأسرة.. وأردفت هل ابنتي مريضة وتحتاج بنادول رغم أنها لم تشكُ طوال عمرها، ولم تقل يوماً إن لديها صداعاً فهي لا تزال صغيرة على الصداع، قلت لها ان المعلمة تريد أن تقول لك في إجابة مغلفة وغير جارحة وكناية على ضعف ابنتك انها مصابة بصداع مستمر من الضعف الدراسي وليس الصحي، وينبغي علاجها وعدم إهمالها، وكما يبدو أنه صداع دراسي مستمر. وأنا أتذكر هذه الحادثة الطريفة والتي تعكس هذا الارتباط الشديد لدى هذه المعلمة بالبنادول وإدخاله ودمجه ضمن مفرداتها في العمل، وبين مستويات طالباتها وتقييمها لهذه المستويات الضعيفة بالصداع وإسقاط هذا الارتباط بالبنادول مع مفردات مهنتها. أتوقف أمام هذه الكميات الهائلة من الأدوية المسكنة المستهلكة من قبل السعوديين، ومدى تأثيرها على الصحة مستقبلاً، وكيف اننا نتجاهل التشخيص لنتصل بالصيدلية، أو نذهب إليها لشرح ما لدينا وأخذ الأدوية وما أكثرها، وما أكثر ما يُرمى منها دون استخدام أو دون استكمال العلاج. عودة إلى فيلم الصداع ومسكناته وهوس السعوديين والسعوديات بأدويته، في ظل ارتفاع حالات الإصابة به من عابرة إلى مزمنة أو نتيجة لأمراض عضوية، على دراسة نشرت أخيراً في أمريكا عن الصداع أشارت إلى أن التغيرات الكبيرة في الحياة قد تلعب دوراً في نحو ربع حالات الإصابة المزمنة بالصداع اليومي والتي تظهر بين الرجال والنساء البالغين الذين لا يشكون فيما عدا ذلك من أمراض أخرى. وان الأحداث الرئيسية في الحياة قد تعجل أو تتزامن مع تطور الصداع اليومي المزمن الذي قد يكون اصحابه قد واجهوا أحداثاً كبيرة في الحياة خلال فترة العامين الماضيين لبدء حالة الصداع لديهم.. ويأتي أقوى مؤشر للصداع اليومي المزمن التعرض لموقف مؤلم للغاية بشكل مستمر.. وان الوظيفة قد تلعب دوراً في الإصابة بالصداع اليومي المزمن.. وأتصور أن البعض قرأوا عن الصداع ومسبباته، والبعض يصابون به دون أي اهتمام بمعرفة الأسباب ويكتفون بمكافحته بالبنادول، بعد أن أصبح أكثر الناس مصابين به، وبعد أن سعد الكثيرون بمخترع البنادول الذي تقول عنه امرأة كثر الله خيره اللي سوالنا البنادول ورحمنا من الصداع، وكأنه اخترعه لها فقط، وهذا احساس بريء يعكس صورة داخلية مغلقة لامرأة تركزت لحظة سعادة لها بهذا الاختراع المسمى بنادول.