يطالب الكثير من النقاد والمحللين الماليين شأنهم في ذلك شأن المختصين في المجال الاقتصادي بضرورة وجود تحركات اصلاحية تجاه سوق المال سواء من الجهة المنظمة لسوق المال أو من قبل مرجعيات اقتصادية عليا وذلك لرأب الصدع الكبير الذي خلفه اعصار الأزمة المالية العالمية على ارضية سوقنا المالي الهشة، ولعل اكثر مايطالب به البعض من اقرار نظام يسمح للشركات بشراء اسهمها بالاضافة إلى تدخل صناديق الدولة (المؤسسات الحكومية) وقت الأزمات للشراء بهدف التأثير على آلية الطلب والعرض عن طريق دخول هؤلاء اللاعبين الآخرين إلى ارضية اللعب. والحقيقة ان تشريع أي من الاجراءين السابقين فيما لو حصل فانه لا يعدو كونه "فزعة" غير مقصودة تقدم على طبق من ذهب لمحتكري اسهم السوق والمتنفذين فيه، لما فيه من اسداء الخدمة طواعية لهم وخدمة مصالحهم وبشكل غير متعمد في ظل ما سيترتب عليه من نتائج بعد الاخلال بآلية السوق المتشكلة بناء على تجاذب آليتي العرض والطلب . وسنترك الحديث عن خيار شراء الشركات لاسهمها لمقال قادم.. لنخوض في طرح دخول صناديق الحكومة للسوق ومدى جداوها من عدمه. فعند استعراض مايمكن ان يحدث في حال تم اقرار دخول تلك الصناديق للسوق وانتشال السوق من كبوته عن طريق ضخ المليارات في اسهم منتقاة وذات تأثير نقطي على المؤشر ونفسي على المتداولين، سنجد انه بعد أي هبوط عنيف، يتم اقتناص الفرص والتجميع بها من قبل محتكري السوق في وقت يضغط السوق حتى تظهر وقائع تجعل دخول صناديق الحكومة امرا مقبولا وواجبا، ولو افترضنا ان يتم دخول تلك الصناديق (ماركت) مع تباين الأهداف والغايات وتضاد النوايا بين فريقين.. الدولة بصناديقها ومالها و(الهوامير باسهمهم) فصناديق الدولة تهدف لإعادة التوازن لآليتي العرض والطلب واضفاء نوع من الطمانينة والثقة في الجو العام، ومحتكرو السوق يهدفون للربح اساس التجارة، في انتضار لقمة صاعدة قد لا يطول الوصول لها في ظل حتمية دخول تلك الصناديق الحكومية، ودون أي عناء يتحملونه قد يكبدهم أي تكلفة مالية في حال ان ارادو الوصول لها قبل دخول تلك الصناديق، ولكن ماذا بعد الدخول؟ تدخل تلك الصناديق وتبث روح التفاؤل وترتفع الاقيام، وتنمو محافظ القيعان نموا سريعا، لتدخل تلك الاموال الصغيرة وسط جو يسوده التفاؤل وتتراكم الطلبات، ليتم تلبيتها وبنفس الطريقة (ماركت) ويتم تعليق الجميع وعلى رأسهم تلك الصناديق ليعود السوق للسلبية و"كأنك يا أبو زيد ماغزيت"، وسط خسائر مالية لتلك الصناديق تضعف من قوتها وتقص اجنحتها وتهدر فرصا حقيقية فيما لو تم اتقان دخولها بشكل تدريجي وغير محسوس، واعتقد جازما بايمان مسؤولي تلك الصناديق بحجم تلك المخاطرة وتبعاتها خاصة وانهم يعون تماماً ان قراراً مثل ذلك بتحويل المقدرات المالية والأرصدة إلى جسر أو سلّم للعبور يصعد عليه من يهدف إلى ربح سريع سيكون قرارا غير استرتيجي في ظل مواجهة غير متكافئة القوى يحسم نتيجتها عادة اختلاف الأهداف وما يترتب عليه من اختلاف استراتيجيات التعاطي مع العملية اضافة إلى قوة الطرف الآخر المتسلح بكافة متطلبات الكسب (من اسهم ومال وتكتيك وخبرة).