دفعني لكتابة هذا الموضوع ما قرأته للأستاذ نايف الرشدان في عدد يوم الجمعة 19رمضان 1429ه في جريدة "الرياض" في عددها 14697، ففي زاويته (ظلل) ضمن صفحة (نوافذ) كتب تحت عنوان (المجمع اللغوي يا أمير الرياض) فبعد أن استعرض تاريخ إنشاء المجامع اللغوية في بعض العواصم العربية مثل دمشق وبيروت والقاهرة وبغداد وعمان والخرطوم والرباط نجده يطالب للرياض بمثل ما لهذه العواصم من مجامع لغوية كان أقدمها في دمشق عام 1918م وأحدثها في عمان بالأردن عام 1972م، فما دامت الرياض تحتضن الكثير من المؤسسات والجمعيات والأندية والصوالين والمنتديات إلى جانب الكليات المتخصصة.. فما زلنا - كما يقول - نتطلع وتشرئب أعناقنا شوقاً لوجود مجمع علمي عصري فالرياض قادرة على أن تضخ فيه الحياة والحيوية بفضل أميرها المحبوب، فلديها من الأدباء الموهوبين والعلماء القادرين على الإفادة من الامكانات والجهود وذلك بصناعة أرقى مجمع للغة العربية والعلوم والحضارة خصوصاً وأن هناك من بيننا من هو عضو في المجامع اللغوية العربية.. وانتهى مقاله بأنه كان يحلم ولكنه استيقظ على نداء أبو الطيب المتنبي: ولم أر في عيوب الناس عيباً كنقص القادرين على التمام اتصلت بالجريدة لأسأل عن الأستاذ نايف الرشدان كاتب المقال لمناقشته في ما لديَّ من معلومات عن الموضوع.. ولم أجده وتركت له خبراً لدى أحد زملائه ولكن إجازة العيد كانت على الأبواب فلعلها سبب في ارجاء هذا الموضوع. عند نهاية شهر رمضان قابلت الأستاذ الدكتور محمد بن عبدالرحمن الربيع بصفته عضواً في مجمع اللغة العربية بالقاهرة ولمكانته العلمية بيننا، وقد أفادني بأنه مع مجموعة من المختصين قد وضعوا مشروعاً متكاملاً لإنشاء المجمع اللغوي وقدمه لسمو الرئيس العام لرعاية الشباب قبل خمس سنوات ورفع للمقام السامي وأحيل بدوره لمجلس الشورى ونوقش وطلب الدكتور الربيع هناك لاستكمال المناقشة ثم رفع للمقام السامي مرة أخرى لاصدار الأمر الكريم بإنشاء المجمع، وذكر أنه دعي أيضاً لمناقشته لدى شعبة الخبراء بمجلس الوزراء قبل سنتين.. وأنه في انتظار أن يصدر به قرار وأنه متفائل بقرب تحقيق هذا المشروع الحيوي. عدت لما سبق عندما كنت أعمل بالرئاسة العامة لرعاية الشباب إذ شكلت لجنة من عدد من المؤسسات والوزارات المعنية لدراسة اقتراحات سبق أن قدمت لسمو الرئيس العام لرعاية الشباب ومنها اقتراح مقدم من الشيخ حمد الجاسر عن طريق النادي الأدبي بالرياض وقد أرفق الشيخ حمد مقترحات جيدة لتنفيذ الفكرة. كما قدمت اقتراحات أخرى لإنشاء معهد للمخطوطات وإقامة مهرجان أدبي وآخر مؤتمر لأدباء العرب يقام في المملكة. وعقد الاجتماع الأول بالرئاسة العامة لرعاية الشباب بتاريخ 1402/2/12ه بحضور كل من الأساتذة عبدالملك آل الشيخ أمين عام دارة الملك عبدالعزيز، عبدالعزيز الرويس مدير إدارة البحوث والفنون والآداب بوزارة المعارف، عبدالرحمن الراشد مدير عام الصحافة بوزارة الإعلام، عثمان التويجري مدير الإدارة القانونية بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، عبدالرحمن العليق مدير الشؤون الثقافية بالرئاسة العامة لرعاية الشباب، راشد الحمدان مدير الأندية الأدبية بالرئاسة العامة لرعاية الشباب، أحمد فرح عقيلان مساعد مدير الأندية الأدبية بالرئاسة العامة لرعاية الشباب. وقد اعتذر عن الحضور الدكتور صالح العذل وكيل جامعة الرياض وهكذا بقية الاجتماعات وقد قمت بسكرتارية اللجنة مع بعض الزملاء. وقد تم الاتفاق على أن تقوم اللجنة بدراسة ورقة العمل المقدمة من الرئاسة وادخال التعديلات اللازمة عليها وإعداد ورقة عمل أخرى متكاملة متضمنة وجهة نظر اللجنة التحضيرية عن هذه المشروعات لتحديد مدى أهمية هذه المشروعات وأسلوب تنفيذها والخطوات اللازمة للتنفيذ والجهات أو الافراد الذين يناط بهم مهمة التنفيذ وذلك لعرضها على الوزراء المعنيين. كما اقترح إحالة موضوع المجمع العلمي للشيخين حمد الجاسر وعبدالله بن خميس لأخذ رأيهما هل يكون تابعاً في أول الأمر إلى جهة تنفيذية لفترة معينة حتى يستقر أو أن يأخذ صفة الاستقلالية منذ البداية ويكون له الشخصية الاعتبارية ويكون له رئيس بدرجة وزير، وكذا بالنسبة للمواضيع الأخرى. وعقد الاجتماع الثاني في 1402/2/19ه والثالث في 1402/2/26ه واتفقت اللجنة على أن المجمع العلمي العربي السعودي فكرة حضارية تضيف جديداً إلى معالم النهضة العلمية الثقافية حيث إن المركز الديني والتاريخي للمملكة يجعلها أولى الدول العربية وتراثها لأن المملكة هي النبع الأصيل للغة والأدب، ثم أن الحفاظ على اللغة العربية حفاظ على القرآن الكريم الذي هو دستور المملكة، وأن موافقة المقام السامي على إنشاء المجمع العلمي العربي سيكون بإذن الله مأثرة جديدة للدولة تأتي في وقتها ولأن هناك مؤامرات كثيرة على اللغة العربية يحيكها أعداء الإسلام.. وقد اقترح أن يوكل التخطيط والإعداد والتسمية وإعداد الأنظمة واللوائح والدراسة الشاملة الخاصة بالمجمع إلى لجنة تأسيسية من الخبراء تضم: الشيخ حمد الجاسر والشيخ عبدالله بن خميس والشيخ عبدالعزيز الرفاعي والشيخ عبدالقدوس الانصاري والشيخ محمد حسن فقي والدكتور عبدالله الناصر الوهيبي والدكتور راشد عبدالعزيز المبارك إضافة لعضوين من الخبراء المتخصصين تختارهم وزارة التعليم العالي من مؤسساتها العلمية. هذا الكلام مضى عليه أكثر من سبعة وعشرين عاماً ولكن ما سبق أن ذكره الدكتور محمد الربيع يعطي أملاً بسرعة انجازه وتحقيقه ليصبح حقيقة لا خيالاً كما قال الأستاذ نايف الرشدان. لا يخفى على القارئ أن هناك الكثير من أبناء المملكة من عمل عضواً في مجامع اللغة العربية الأخرى وقد سبقهم الشيخ الراحل حمد الجاسر رحمه الله الذي عين عضواً في كل هذه المجامع أولها المجمع العلمي بالقاهرة وبالتحديد عام 1949ه. إضافة للأساتذة عبدالله بن خميس ويحيى المعلمي وحسن القرشي وعبدالعزيز الرفاعي وأحمد الضبيب وعوض القوزي ومحمد الربيع وغيرهم. وللتاريخ وحسب ما تذكر (الموسوعة العربية العالمية) فبيت الحكمة ببغداد يعتبر بحق أول مجمع للغة العربية وفق المفهوم المعاصر للمجامع اللغوية مع مراعاة الاختلاف في الظروف والأحوال، فقد كان بيت الحكمة يضم علماء من تخصصات مختلفة منهم الطبيب والمهندس ومنهم الفلكي واللغوي. وفي عام 1892م أنشئ في القاهرة المجمع اللغوي للوضع والتعريب ولكنه تعثر في مسيرته فعطل ليعاد إنشاؤه باسم مجمع اللغة العربية الملكي عام 1932م وقد سبق هذا المجمع، المجمع العلمي العربي في دمشق الذي عقد اجتماعه الأول عام 1919م وكان نشوء هذ المجمع ضرورة استدعتها مسيرة التعريب في الوطن اعربي التي صاحبتها حركة التحرر من الاستعمار والانعتاق من سلطان الأجنبي، فقد أخذ المجمع على عاتقه "النظر في اللغة العربية وأوضاعها العصرية ونشر آدابها وإحياء مخطوطاتها وتعريب ما ينقصها من كتب العلوم والصناعات والفنون عن اللغات الأجنبية وتأليف ما تحتاجه من الكتب المختلفة المواضيع" وكان من أوائل أعماله عند تأسيسه اصلاح لغة الدواوين وتعريب كثير من الألفاظ وتزويد المصالح الحكومية بما تحتاجه من مصطلحات فنية وإدارية وتلبية رغبات الأفراد والصحف والجمعيات غير الرسمية.. ويصدر المجمع مجلة علمية منذ شهر يناير من عام 1921م.. وقد اعتراه الجمود في عهد الانتداب الفرنسي. هذه لمحة موجزة ذكرتها فلعلها تحرك ساكناً وتسرع بتحقيق ما حلم به الكثير وهم يشاهدون في كل مكان الأسماء الغريبة عن لغتنا وكأن اللغة العربية عقيمة لا تنجب.. رغم أنها أوسع اللغات وأعمقها وأقدمها فهي لغة القرآن ولغة أهل الجنة فيجب علينا أن نتضامن من أجل المحافظة عليها ورفض كل لغة دخيلة من تشويهها فقد بدأ الجيل الجديد من براعم مبتدئة تسمي الأشياء بغير لغتنا، فكيف سيكون الحال في القادم من الأيام إذا لم نراع هذه الظاهرة ونحاصرها في مهدها قبل أن تستفحل ويزداد أوارها. أضم صوتي العالي وليس الحلم لصوت الأستاذ نايف ولكل الرجال المخلصين للغتهم ووطنهم حقق الله الآمال.