في طريقها لتوصيل ابنتها للحضانة، تنشغل الصغيرة بالنظر من الشباك وهي تدمدم لنفسها بأحاديث وأغان تعلمتها في مدرستها، وتنظر للطرق التي غسلها المطر، تصرخ قائلة لأمها: "بحر ماما بحر"، ولأن الأم تعرف أنه لا بحر في مدينتها، فقد استنتجت أن الصغيرة ذات الثلاثة أعوام والتي تشاهد المطر لأول مرة في حياتها تحاول أن تجد وصفا له فوصفته بالبحر، ضحكت الأم وهي تقول لصغيرتها: "هذا مطر ياماما"، لتصبح القصة حكاية طفولية تحكيها لزميلاتها وهن يتبادلن عن أحاديث المطر، عن انقطاعه وعن هطوله وعن الصغير ذي الخمس سنوات الذي يخاف من المطر لأنه لم يتعود عليه، وعن شلة الأطفال الذين تحلقوا حول بركة مياه أمطار متجمعة وهم يرتدون العوامات المائية! وحكايات كثيرة منها ما هو منطقي وحقيقي ومنها ما فيه مبالغة بسيطة يستدعيها الموقف أو تستخدم لإثبات رأي ما أو توصيل فكرة، ينتقل الحديث بعدها إلى تجهيزات رحلة البر الأسبوعية. بين أصوات فناجين الشاي و بين قضمة وأخرى من ساندويتش الطعمية أو الكبدة أو القهوة مع الكرواسون أو قطع الكعك المحلاة المعروفة بالدونات - حسب الحالة الاجتماعية والمادية- يتحدث هو وزملاؤه في العمل عن المطر، عن البرك المائية المتجمعة هنا وهناك عن الزحام الذي يطيل من مشواره من وإلى العمل، وعن الطريقة الأسرع لتجنب الحفريات والتحويلات أيام المطر، و الحديث ينتهي كالعادة بتخطيط لقضاء عطلة آخر الأسبوع في البر فلا أحد منهم يريد أن يضيع رحلة آخر الأسبوع في هذا الجو المميز. خرجت هي وزميلاتها من قاعة المحاضرات وهن يصرخن فرحات، مطر...مطر، جلسن في الساحة تحت بعض الكراسي المظللة يتمتعن بالمنظر، ولا واحدة منهن تريد أن تكمل يومها في قاعة الدرس، انشغلن بالحديث عن القاعة التي تسرب الماء من سقفها، وعن المبنى الذي تجمع الماء في أسفل الدرج، وكل واحدة منهن تتحدث عن الاستعدادات للخروج للبر في آخر الأسبوع. جلست تنتظر السيارة أمام المبنى الذي تعمل فيه، زوجها لا يحب الانتظار وقد اتصل بها منذ خمس دقائق قائلا: "أنا في أول الشارع" لم تستغرب تأخره لأن الشارع مغلق بالسيارات المستعجلة التي أصابها الذعر نتيجة المطر، وحادث صغير مثل كل الحوادث التي تكثر أيام المطر زاد من الزحام، لا يمكنها الدخول لأن البواب لن يسمح لزوجها بالانتظار أمام البوابة أو قريبا منها في حالة عدم وجودها لذلك انتظرت مع كثيرات ينتظرن وكل واحدة منهن تمسك بالجوال قائلة: "وينك، ألست في أول الشارع؟"، وكل واحدة منهن تبحث عن مكان مرتفع لتقف فيه لسببين أولهما حتى يرين أفضل وثانيهما حتى لا تتبلل ملابسهن أكثر. يتجمعن حول بعضهن و يتبادلن أطراف الحديث عن جمال الجو وعن المطر الذي جاء أخيرا وعن ضرورة الخروج للبر أو الاستراحة للاستمتاع بهذا الجو الجميل. السؤال: "هل صحيح أننا نغرق في شبر ماء؟ إذا كانت الإجابة بنعم فالسؤال الذي يليه: "لماذا نغرق في شبر ماء؟".