في عريشة (الصمت) تعيش يا أبا الريش.. لست وحدك، داهمني (الصمت) قبلك.. احتجته فاجتاحني.. وفرقٌ بين الاحتياج والاجتياح.! صدقني - يا سيدي - إن شيئاً ما لم يتغيَّر .. فما شعرت بالفقد لصوتك ولا استوحشت لصمتك.. أعلم أني موجود في برزخ صمتك.. أطبق طرفي على آخر صورة لقسمات وجهك المتَّشح بشجون الآخرين.. فأعبر معهم إلى هناك.. حيث أتملاّك ماثلاً فأستجمع شتاءك القادم مع المطر، الذي يعقبه الصيف .. أستبقي فلول سنين العمر الهاربة.. ها أني أطرق خجلاً بين حشود الأنفاس.. صاعدة هابطة حزناً، فرحاً.. فأشتاقك حد البكاء.. وآنس بك حد الضحك.! ومررتُ في حدائق العمر بزهرة بنفسج.. واحترت.. أقطفها .. لا أقطفها؟! وقطفتها.. ثم ندمت لظني بأنك ربما تمر بهذا الطريق بعدي يا عاشق الورد فلا تجد إلا الساق والأوراق.! وتذكّرت إطراقة حزنك الوديع البريء وكل من حولك يبتهج، فانساب في مسمعي ووعيي صوت ونغم قادم من تاريخ الوجدان هو صوت صالح عبدالحي الذي مات وظل صوته حياً: ليه يا بنفسج بتبهج وأانت زهر حزين؟! والعين تتابعك وطبعك محتشم ورزين؟! كيف يبعث اللون الفرح في العيون.. وكيف تنعش رائحة الطيب الروح.. وكيف تقشع صحوة الضمير فلول الظلام.. حُزنك بكونك بلونك تبهج المقهور اللي يضيره ضميره بالظلام مغمور ليه يا بنفسج بتبهج، وانت زهر حزين؟! حطُّوك خميلة جميلة فوق صدور الغيد تسمع وتسرق يا أزرق همسة التنهيد.. ليه يا بنفسج بتبهج وانت زهر حزين؟! @@@ أبرقت السماء، وأرعدت، وأزبدت، وأمطرت لساعة، فتحولت جدة إلى (فينيسيا).! فعلاً.. كان يوماً من أيام المدينة العائمة التي تسبح وتشرب من (كيعانها).! في وسط المدينة، تحولت السيارات إلى زوارق.. تمخر عباب الشوارع حول المباني التي بدت مكعبات.. ومن عجب أن تبتهج جدة وسكانها بالماء لأنه الرواء - وإن زاد - لتقهر بالنظر إحساسها بالعطش.! ويذكِّرنا انسكاب وتدفق المطر بقول القائل: الما بجنبي وانا.. ساكن بجنب الما.. عطشان ميّت ظما.. وانا اتفرَّج على الما.!