تعتاد الانطلاق، والحياة المنفتحة، تسعى دائماً إلى التغيير باعتباره جوهر الحياة نفسها، والمقياس الحقيقي لاستمرار التعايش داخل أزقتها. إرثك الحقيقي هو تفاصيل الحياة التي ترسمها كل لحظة بعيداً عن إشكالية الآخر، ومدى قناعته بها. في المجتمعات المحاصرة بالأعراف والتراث والتقاليد تكثر الوصاية على المغيّرين، والمتغيرين، على اعتبار انهم مخربون، وقد يتهمون بالفسق رغم أنهم لا يمتلكون مفردات الفسق أو التخريب، وكل ممتلكاتهم الجموح بمسماه العاطفي وتفاصيله المعلقة على حرية الفرد وإمكانية ممارستها دون، التعدي على الآخر. أنت لا تريد أي شيء، وليس بإمكانك حتى لو كنت شمشون الجبار هدم العادات والتقاليد المرصوفة من مئات السنين، ولا تحويل ساحة من حولك إلى بؤرة تقيم في داخلها مجتمعاً مثالياً خالياً من العقد. كل طموحك يقتصر على محاولة التغيير والقفز على كل ما هو تقليدي، التغيير في ملامح الصورة العاكسة ما ليس خلفها، وليس في هوامشها. سعادتك أن تعيش بالطريقة التي تريدها أنت المهم كيف لك أن تعيش؟ تريد أن تستمتع بكل الفصول دون استثناء حتى وإن سقط فصل في مدينتك أو فصلان تلك المدينة التي لا تعرف سوى الصيف والربيع، تريد أن تستنشق الهواء، وأن تشرب الماء كما يقول أحدهم، وأن تتذوق الفاكهة، ولا تدع شيئاً يفوتك من مباهج الحياة. يغضب الآخر من هذا الاقبال على الحياة فالفكر هو الفكر، وانتهازية المجتمعات لا تتغير. ذات مرة قرأت لأحدهم عبارة توقفت أمامها (نصف العالم لا يستطيع أن يفهم فرح النصف الآخر). والواقع ان الفرح هنا ليس مقصوداً به الفرح مجرداً ولكنه الصورة المعاكسة للاعتياد على العتمة. الفرح عندما يداهمنا كراحة نفسية خالية من العقد.. الفرح عندما تستشعر أن الحياة ليست أكثر وعياً منا بحسابات الزمن ولا أكثر بلاغة في التعبير عن احتياجاتها. تفرح فيغضب البعض ويتذمر من تضخم إحساسك بالحياة التي لا ينبغي أن تخرج من دائرة مشاكلها، وأيضاً عليك أن تبحث عن هذه المشاكل وتستعيرها إن لم تكن متوفرة أمامك، حتى لا تكسر الطابع التقليدي لها، لكن إن غرقت في مشاكلك فعليك ان تتدثر بها وحيداً ولا تصدّرها للآخرين. فما لديهم يكفيهم. عليك أن تعيش أزمتك وحيداً وأن تحاول الخروج منها مهما كان ذلك صعباً وأن لا تكثر من البقاء داخلها. ولا مانع أن تجرب نصيحة ذلك الحكيم (بأن أفضل وسيلة تتخلص فيها من مشاكلك أن تضعها في جيبك المثقوب). ماذا تريد أنت من الآخر؟ وماذا يريد هو منك؟ هل عليك أن تستلذ بمفردات حياتك حتى وإن كانت هذه اللذة سعادة المجانين كما يقال تواجهها السعادة بملامحها الفاتنة وبأنها لذة العقلاء؟ عليك أن لا تعير الآخرين خطوطك الملونة، وأن تضع الخط الأحمر دائماً فاصلاً بينكما، وان لا تتوقف أمام الأزمات المعقدة التي ينوّعها البعض من أجل التضييق على الآخرين، وبث الوهم داخلهم، بأن الزلزال قادم. والسبب أن الحياة أبسط في تفاصيلها من محاولة هيمنة المحبطين، ومحاولة فرضهم لمسارات مغلقة بالقوة على العابرين.