في هذا الكون نجد السعيد والشقي، فهناك من كتب له التفكك والعناء والقلق، وهناك من كتب له الاستقرار، نعم هناك من يقطن في بيت مترابط متراحم، وهناك من يقيم مع أسرة مهددة.. نعم هي إرادة الله سبحانه وتعالى كتب لهم العيش وسير أقدارهم. لكن من المؤلم حقاً أن تعيش أسرة أجبر أفرادها على طأطأة رؤوسهم بذنب لم يقترفوه، فهم جميعاً ضحية بلا ذنب ولا راع وعائل يعيشون نظرة لوم ونفور، ونظرة إحباط وخوف، كيف هي حياتك وكيف يمضي بك يومك؟ هكذا توالت أسئلتنا والتي وجهت لزوجة السجين (س. ن) حيث يقضي زوجها حكماً بالسجن بسبب قضية دين مالي وهي أم لخمسة أبناء. @ كيف تلقيتم الخبر، وما هو أول شيء خطر على بالك؟ - كانت هذه المصيبة قاسية جداً فقد ضاقت بنا الأرض بما رحبت وشعرت بأن الدنيا بحجم خرم الإبرة وأول ما خطر في بالي وشغل تفكيري كزوجة وأم هو كيف سيكون حالي وحال أبنائي، كيف سينظر لي جيراني وأقربائي، وهل سيستطيع أبنائي إتمام دراستهم كما كانوا؟ ومن سيرعانا ويلبي احتياجاتنا هل سننتظر لما يجود به أهل الخير، أو سنتعفف ويذبحنا الفقر والعوز والتفكك والضياع. @ كيف كانت ردة فعل أبنائك عندما سمعوا الخبر؟ - لقد صعق الجميع وظنوا أن الدنيا أقفلت أبوابها لا حاضر ولا مستقبل لهم لن يتقبلهم الناس ولولا أني قلت لهم إن هذا قدر الله، ويجب أن نكون مؤمنين صابرين على هذا الابتلاء. @ هل شعرت بتغير أقربائك وجيرانك؟ - نعم في البداية كانوا يتخوفون أو يترقبون الحذر بتعاملهم معنا لأنهم لا يعلمون سبب سجن زوجي ولا ألومهم في ذلك، ولكن بعدما تأكدوا أن قضية زوجي هو دين مالي عاودوا التواصل معنا. @ لماذا لم يساعدوكم في الرعاية وتوفير احتياجاتكم، وكيف وجدتم من يعينكم على مصيبتكم؟ - ساعدونا معنوياً وإن كانت النظرة مختلفة عن السابق كما أن أغلبهم بالكاد يوفر احتياجات أسرته وقد قيض الله لمجتمعنا توفر الجمعيات الخيرية المساندة في جوانب مختلفة، وقد سعمنا عن لجنة رعاية السجناء الموجودة ببريدة فتقدم زوجي بطلبه للجنة أثناء زيارة مندوبهم لتفقد أحوال السجناء فتلقيت مباشرة مكالمة من إحدى الأخوات وذهبت بنفسي لمقر اللجنة عبر قسمها النسائي ومن يومها ظللنا نلقى كل رعاية واهتمام وتسلمت مبلغاً فك ضائقتنا بعد الزيارة الأولى ثم خصصوا لي مبلغاً شهرياً ومعونات عينية وسهلوا علينا مهمة الوصول للضمان الاجتماعي والحمد لله في وطننا الغالي لا يضيع أحداً ورجال الخير والعطاء كثير ولله الحمد. @ كيف كان استقبال الأخوات موظفات القسم النسائي بلجنة رعاية السجناء بالقصيم وكيف كان تعاملهم معكم؟ - والله بمنتهى الأخوة والرحمة استقبلوني بحب وحاولن التخفيف عني بالكلمات الطيبة والوعود المطمئنة، وبمجرد ما حضرت لهن قمن بتعبئة البيانات المهمة وتصوير الأوراق المطلوبة ومن ثمَّ تولت اللجنة رعايتنا في مختلف الجوانب. @ في اعتقادك ومن خلال معايشتك ما الذي تضيفينه وتتمنينه من اللجنة للسجناء ولأسرهم؟ - أولاً: جزى الله خيراً كل من قام ويقوم عليها من فكر ومن نفذ ومن دعم بجهد من وقت ومال.. ثانياً: لولا الله ثم هذه اللجنة نحن مثلاً كيف سنوفر من يرعانا ويسدد ما ينقصنا في غياب عائلنا ورب أسرتنا؟! خاصة وأننا عائلة فقيرة وليس لدينا مصدر رزق، فقد حملت اللجنة معنا المسؤولية وفرجت كربتنا وخففت عنا معظم المعاناة والهموم هذا حالنا فكيف بحال الآخرين ومرضاهم وأنا متأكدة أن اللجنة من نعم الله وعلينا وعلى مجتمعنا، لذا أعتقد جازمة أن اللجنة جهة فاعلة ومهمة في المنطقة وفي كل مجتمع إنساني فاعل فهي بعناية وتركيز خالص ترعى بفضل من الله وتوفيقه فئة خاصة ومهمشة داخل المجتمع كان في غفلة عنها ويتهيب منها. @ هل تساهم اللجنة في تأهيل السجين لمستقبله وكذا الحال في تأهيل زوجته اجتماعياً؟ - اللجنة تقدم لزوجي كما يقول لي عدة برامج وأنشطة داخل السجن من تهذيب وتعليم وتأهيل بالتشجيع على حفظ القرآن الكريم والمحاضرات والدورات العلمية التي تقوي إيمانه وتعينه على قضاء محكوميته وتأهيله علمياً ومعنوياً لما بعدها كما يحدث هذا أيضاً للسجينات وأفراد أسر السجناء حتى يتأهلون أو أحد منهم للعمل ورعاية الأسرة معتمدة على نفسها. @ هل أثر سجن زوجك على مستويات تعليم أبنائك وذهابهم إلى المدرسة بانتظام قبل وبعد مساعدة اللجنة؟ - أبنائي كانوا والله في البداية يهابون الذهاب للمدرسة خوفاً من النظرة السلبية من زملاء المدرسة وأن تختلف معاملتهم لهم خصوصاً مع عدم توفر احتياجاتهم المدرسية ولا مصروفهم اليومي كحال الطلاب الآخرين وهو ما حدث بالفعل في البداية حيث كان ذهابهم للمدرسة صعباً جداً بشكل أثر على تحصيلهم الدراسي وحينما حلت علينا عناية الله ثم رعاية اللجنة وتواصلها ودعمها لنا ولهم ومصروفهم بالتنسيق مع المرشد الطلابي ارتفعت معنوياتهم وتشجعوا على الحضور وقهر الصعاب بالمثابرة لتعويض ما حدث ونيل أفضل الدرجات. @ كلمة أخيرة تودين قولها لنختم بها هذا الحوار؟ - أود أن أشكر المسؤولين القائمين على هذه اللجنة الخيرة وكل العاملين فيها وكل من قام على إنشائها وتنفيذ برامجها وساهم في تقديم المساعدة والدعم المتواصل لأنشطتها، وأقول لكافة اخواني في المجتمع ساندوا اللجنة وجهودها، فنحن مثلاً أسرة السجين لم يكن لنا ذنب لكننا أصبحنا بين عشية وضحاها الضحية وعانينا بلا ذنب ولهذا أتمنى من الجميع أن يراعوا أننا فقدنا أبانا وراعينا وعائلنا الأول بعد الله، وأن يثقوا أن الزوج السجين أدخل للإصلاح والتأهيل ليعود بعون الله ثم جهود هؤلاء المخلصين بعد الإفراج عنه ويصبح شخصاً سوياً نافعاً لنا ولكم في مجتمعكم فأرجوا أن تحتضنوه وأن تقبلوه وقابلوه بقلوب أخوية بالثقة والمؤازرة، وأخيراً أتقدم بالشكر إلى قائد حكومتنا الرشيدة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين - حفظهما الله - وإلى صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر أمير منطقة القصيم وسمو نائبه حفظهما الله ورعاهما على كل ما يقدمانه من دعم معنوي ومادي للجنة رعاية السجناء وجهودها الخيرة في أنحاء المنطقة وكذلك لكل الباذلين والداعمين لخدماتها الكبيرة.