منذ الكشف عن أزمة الرهن العقاري التي عصفت بالأسواق المالية ومعظمنا أصبح يتابع أخبار السوق الأمريكي ومدى تفاعله مع دعم الحكومة وخطة الإنقاذ بسبب ربط الأسواق العالمية ومنها سوقنا بالسوق الأمريكي الذي مازال يعيش فترة غامضة لعدم وضوح حدود الأزمة! ومع أننا لابد أن نصل في يوم ما الى الانفصال عن ذلك السوق، إلا انه بسبب حالة الغموض والتجاهل للانهيار العنيف بالسوق والخسائر التي أصابت الجميع (كبارا وصغارا) برزت المطالبات بتدخل الدولة لدعم السوق أسوة بما قامت به الدول الأخرى، وبسبب التعاطف مع حالات الإفلاس وتسييل المحافظ لم نفرق - كمتداولين ومسئولين - بين الدعم والمحفز وأصبح الجميع يطالب الجهات المختصة بدعم السوق عبر إقرار عدد من المحفزات، كتوجيه صناديق الدولة بشراء الأسهم والسماح للشركات بشراء أسهمها وتسهيل القروض، ويبدو انه قد غاب عن الأذهان عامل الوقت في استخدام الدعم وتوقيت استخدام المحفز حتى تتحقق الفاعلية من الدعم ونتجنب حرق المحفز بارتداد وهمي لايستفيد منه المستثمرون بسبب حجم الانهيار الكبير ولكنه يورط المزيد كما حدث بسوقنا بعد انهيار فبراير 2006م عندما أعلن عن محفزات والسوق مازال في مرحلة الانهيار. إن المشكلة التي تعاني منها الأسواق حاليا هي عدم وضوح ما ستئول إليه الأزمة التي اجمع الخبراء والمسئولون على أننا سنشاهد كل فترة جانبا منها، ولذلك فإن من المهم أن يتم التركيز خلال هذه المرحلة على عنصر الدعم وليس المحفز بل يجب أن نستخدم جميع أشكال الدعم الممكنة لنتجاوز هذه الأزمة كمواطنين وكأسواق، كما انه ليس بالضرورة أن ينحصر الدعم بالأسواق المالية فالانهيار قضى على مدخرات عدد كبير من المواطنين وسيتسبب في مآس عديدة لاسر وليس لأفراد! وبالتالي يجب أن يكون الدعم بوسائل تخفض تكلفة المعيشة بشكل فعال فكافة التقارير تؤكد على قوة اقتصاد المملكة ويجب ان يعيش المواطن بمستوى الدولة، فاقتصار الدعم في القرارات التي صدرت لدعم البنوك وسيولتها لن يحقق الفاعلية المطلوبة من الدعم، فحاليا يجب ان نتخلى عن موضوع التضخم وان نعكس الدعم الذي يتم من قبل الدولة للبنوك على المواطن بشكل مباشر مثل تخفيض نسب الفائدة على القروض للمواطنين ودعم البنوك بالسيولة بدون فوائد مقابل قيام البنوك بإعادة جدولة قروضها بتخفيض الأقساط الشهرية وزيادة مدتها بلا فوائد جديدة لتوفير سيولة إضافية تساعد المواطن على المعيشة. وكما ان الأزمة الحالية قد أجبرت معظم صغار المتداولين على الاحتفاظ بأسهمهم الخاسرة وانتظار انتهاء الأزمة، فان احد جوانب الدعم الهامة هو حث إدارات الشركات فور إعلان نتائج هذا العام على توزيع الأرباح المستحقة للمساهمين وعدم حرمانهم من الاستفادة من معظم او كل أرباح هذا العام بترحيلها للعام القادم كما تفعل معظم الشركات، فالمتوقع أن تعمد هذا العام بعض الشركات والبنوك الى تخفيض الأرباح الموزعة بسبب شح السيولة والخوف من تبعات الأزمة، فتوزيع الأرباح يشجع على فكرة الاستثمار خاصة وان العوائد وفق الأسعار الحالية مجزية! كما إن هناك جوانب عديدة للدعم من أهمها الاحترافية في طمأنة المواطنين ودعم الثقة! فالمواطنون مقتنعون بما تم التصريح به من سلامة الاقتصاد والبنوك، إلا أنهم أصبحوا يطالبون بان تتم طمأنة كبار المستثمرين الذين يعرضون يوميا كميات ضخمة من الأسهم التي تسببت في الانهيار! كما أن دعم الثقة بالتداولات يتم من خلال تتبع من يستهدف الضغط على مؤشر السوق وإجبار البنوك على تسييل المحافظ، مع عدم إغفال أهمية رفع مستوى الثقة والشفافية في نتائج الشركات المعلنة والتي أصبحنا نرى في بعضها الغموض، فإذا لم ينعكس اثر انهيار الأسواق العالمية على نتائج احدى الشركات المستثمرة بها بمبالغ كبيرة، فإن الثقة في نتائج البنوك والشركات ستتأثر بذلك خاصة وان المعلومة الحقيقية مهما أخفيت فهي معروفة للبعض وتنعكس على مجريات التداول! ولان هناك من سيختلف معي فإنه بالنسبة لاستخدام المحفزات فالملاحظ هذه الأيام من واقع نسب التملك هو ارتفاع نسب التملك لبعض الصناديق الحكومية كالتقاعد وبعض كبار المستثمرين في شركات استثمارية معينة وترتفع تلك النسب خلال الأيام التي شهدت تسييل البنوك للمحافظ أي إن هناك شراء تدريجياً وفي مستويات سعرية مختلفة، ولايعتبر ذلك محفزاً بالسوق وإنما اقتناص فرص من محافظ استثمارية تهدف للربح، وأما من يدعو حاليا بالسماح للشركات بشراء أسهمها فإن الحقيقة التي يجب أن تقال بان الأزمة سببت شحاً بالسيولة وهناك قيود على الإقراض وارتفاعا للفائدة وشبح الركود والمؤكد انه لن تقدم في الوقت الحالي الحرج على تلك الخطوة أي شركة خاصة وإنها بافتراض توفر السيولة لديها ستجمدها في أسهم لن تستفيد منها (لايجوز الحصول على الأرباح السنوية لتلك الأسهم) ولنا عبرة بشركة اعمار بسوق الامارات التي أعلنت عن شراء أسهمها واستمر الانهيار أسابيع ولم تقدم على ذلك! كما أن الشركات التي قد يرى أعضاء مجلس إداراتها مناسبة شراء أسهمها قليلة جدا وسيستخدم الإعلان لأغراض مضاربية! بالإضافة الى أن الشركات الكبرى المؤثرة على المؤشر تعاني من قروض وفوائد والتزامات وليس سعر السهم من اهتماماتها! ولذلك من المناسب التركيز على الدعم الكافي لتوفير السيولة للمواطن لزيادة الدخل وتأجيل المحفزات الى حين استقرار الأسواق وتوفر العناصر التي تساعد السوق على التفاعل مع المحفزات التي يجب تقديمها للسوق بشكل متدرج وبما يحقق التفاعل الايجابي الحقيقي والمستمر لضمان عدم احتراق المحفزات!