"الليبرالية" الاقتصادية، و"العولمة" صارتا مدار بحث المفكرين وبيوت الخبرة ومراكز الأبحاث وعلى الأخص بعد عاصفة الدمار الاقتصادي، وما يُعتبر نهاية حقبة تحولت من نظام فتح الحدود إلى أقصاها في عبور الاقتصاد والثقافات والمعرفة، وسقوط الحدود أمام التيار الجارف، إلى فتح تحقيق عالمي حول تلك التحولات وآثارها المدمرة، والتي جاءت كموجات بلا ضوابط عندما انهار السقف على الجميع، وبقي السؤال من المتسبب، ومن يجب أن يذهب إلى دوائر المحاكمات كمجرم عالمي؟ جاءت العولمة، ومعها ثورة المعلومات التي نادت بتقليص الجغرافيا ونهاية القوميات وحماية الاقتصادات أمام تدفق المعرفة التي لم تتقيد بحدود، وبالفعل شهد العالم أكبر منجز علمي عندما طوى مراحل التاريخ الماضية في تقدمها المتسلسل والبطيء إلى دورة جديدة حققت نتائج فاقت كل عصور التاريخ في بضع سنين، وبقفزات فاقت الحلم والخيال، ولأن الاقتصاد هو محرّك القوى المختلفة من المستهلك البسيط للقمة العيش وإلى المهيمن على قوى المال والمعرفة، واحتكار الثروات، جاء الانهيار ليسبب اتهاماً حاداً لليبرالية، والعولمة، وكل من قادوا المسيرة المضلّلة، باعتبار ما جرى قفزة للمجهول من خلال فوضى عارمة.. لقد خسرت الشيوعية نظامها، وجاءت الرأسمالية العالمية لتكون البديل وفق اقتصاد ليبرالي معولم، غير أن النتائج كشفت عن ضعف النظام ورقابته، وهنا جاء من يعتبر الفوضى الخلاقة و"القوة الناعمة" ومصطلحات الهيمنة الأخرى بديلاً آخر، ومع نهاية حلم الثروة الأحادية، جاء من يحمّل العولمة وأدواتها لعنة الحاضر والمستقبل.. وإذا كان تدفق المعلومات قاد إلى سلبيات مدمرة للعولمة، وإلى انتشار وتسويق المخدرات، وبناء عالم يتبادل الأسرار والشفرات من خلال تنظيمات إرهابية وبناء عالم سفلي يستفيد من تقنيات الشبكة العنكبوتية، فإن هذه السلبيات خلقت ردة فعل مساوية للفوائد التي أحاطت بإيجابيات هذه الثورة، لكننا في عالم يحكمه التطور، ولا عودة إلى العصر الرعوي، نجد أن آفاق المستقبل محفوفة بالمخاطر حينما يسوّق كل شيء من خلال الإنترنت من الفوائد العظيمة لتبادل المعلومات في الطب والاكتشافات العلمية والوقاية من المخاطر غير المحسوبة، إلى تسويق الجريمة بأشكالها اللاأخلاقية وبناء منظومات قادرة على تنظيم عناصر وقوى إجرامية وإرهابية، بما في ذلك صناعة المتفجرات والأسلحة المدمرة، وغسيل الأموال، وأمام هذا التطور المذهل جاءت العولمة لتقود عالماً متصارع الأجنحة، وقد لا تستطيع أي قوة السيطرة على مجريات الحياة طالما الجميع يمتلك إدارة الصراع من خلال أدوات ووسائل التقنيات الحديثة، ومن هنا أصبحت عودة الجريمة تماثل عولمة الثقافة والاقتصاد وفتح آفاق التواصل لنجد موضوعَ لكل فعل ردّ فعل مساوله ينتظم في هذه الإنجازات.. في الاقتصاد هل نشهد تحولات العودة إلى الاقتصاد القومي، والوطني، ووضع خطوط الحماية للصادرات والواردات، وتفكيك الوحدات القارية، والعودة إلى العملات القديمة أم أن العالم سيتجاوزها إلى ما هو أفضل وأكثر انضباطاً للعولمة المتوحشة؟