عالم "الصقور" والصيد عالم آخر، وهواية ممتعة مارسها العظماء والشعراء والفنانون ورياضة أقرتها الدول المتحضرة واعترفت بأفضليتها والاهتمام والعناية بها، وأصدرت القوانين والتشريعات التي تكفل تطويرها وترفع من مستواها، وتحد من عنف وجبروت بعض هواتها، حفاظاً على الطيور وعلى الحيوانات البرية من الإنقراض. والمشتغل بهواية الصيد تساعده في اذكاء يقظته واتقاد ذهنه فهي نافعة للبصر وتبعث فيه الحركة والنشاط وتواجد حالات اليقظة عنده بشكل مستمر كما أن هواية الصيد تعزز شجاعة المرء وهو يسير منفرداً بين الجبال والغابات والأودية السحيقة ويعود نفسه على تحمل الصعاب والمشاق. وكان للشعر الشعبي اهتمام بالغ وكبير، لدرجة أن الشاعر إذا أنشد مادحاً في قصيدة ما من قصائده يلقب الممدوح بالصقر، لما له من منزلة عالية في نفوس الأخيار من الناس وهذا يعود لأسباب كثيرة منها أن الصقر يرتاد الأماكن العالية من الأرض دائماً ويبتعد عن الأماكن الهابطة إلا في حالة الصيد، ونجد أن "الصقر" له علاقة كبيرة مع "الرجم" وهو مكان مرتفع قليلاً عن الأرض ويبتعد عن صيد الردى، وهنا نقرأ ونستنتج من هذا البيت الشعري الذي يحتوي على تشبيه الممدوح بالصقر ويقول الشاعر غانم اللميع مادحاً الشاعر المرحوم محمد أحمد السديري: يا طير حوران المذكر حلاياك اللي مخاليبه إلى أدلا ضريره وقد استخدم الشاعر الصقر أو ما يدل عليه من الأسماء المعروفة أو المتداولة بين الناس وخاصة المهتمين في الكثير من قصائدهم الوجدانية والتي يكثر فيها التشبه، ويقول الشاعر محمد بن جويل العصيمي: قلبي كما طير طوال سبوقه يكفخ بجنحانه صخيف الجناحي وهنا يتضح لنا مدى التشبيه والاهتمام البالغ بالطير والذي يأتي بمعنى "الصقر" فقد صوّر لنا الشاعر بأن قلبه كالطير الذي "يكفخ" أي بمعنى يتحرك بقوة وبشكل مفاجئ محاولاً بذلك أن يطير ولكن بدون جدوى. ويتفق معه أيضاً قول الشاعر عبدالله بن مسيب الجروان: الله من قلب (ن) على روس الاطلال يكفخ كما طير (ن) كفخله بمسباق وهذه الأبيات تؤكد مكانة الصقر في نفوس الناس الأخيار والتحلي بصفاته دائماً. وفي الأبيات التالية يسرد ويوضح الشاعر صفات الصقر وقوته بالصيد ويقول مشعان النصيري: صقر (ن) فقع من راس عالي الطويلات للصيده اللي حط خمسة وراها غز المخالب بالثنادي السمينات ويمعل بها لما تبين شواها يا طير يا طير الفلح والسعادات صيدك سمين ومن غوالي عداها ويوضح هنا الشاعر مدى علاقة "الرجم" بالصقر وهو المكان المرتفع من الأرض في هذا البيت الذي اطلق عليه اسم "الوحش" وجمعه وحوش و"قرناس" وجمعه قرانيس أي الصقور، في قول رميح بن محمد الخمشي: أمس الضحى عديت رجم (ن) ينادي رجم (ن) تعاقب به وحوش القرانيس