تشرع المحكمة العامة في الرياض اليوم الاثنين في النظر بقضايا المتورطين في حوادث التفجيرات الإرهابية التي شهدتها مدن ومناطق المملكة خلال السنوات الماضية. ويبلغ عدد القضاة الذين تم تكليفهم للنظر في هذه القضايا (10) قضاة، منهم ثلاثة من المحكمة الجزئية بالرياض وعدد منهم من المحكمة العامة والبقية تم اختيارهم من اماكن اخرى. وستشمل المحاكمات التي يتوقع ان تواكبها اجراءات أمنية دقيقة في مقر المحكمة كافة المتورطين في الاحداث الإرهابية التي راح ضحيتها عدد كبير من رجال الأمن والمواطنين والمقيمين (قتلى ومصابين) ويتوقع ان تشمل المنفذين والمحرضين والداعمين والمهربين للمتفجرات وغيرهم. "الرياض" تقدم سلسلة من التحقيقات عن بدء محاكمة "الفئة الضالة" وأهمية هذه المحاكمة وأبعادها الأمنية والاجتماعية والسياسية. فقد أكد الشيخ ابراهيم الحسني القاضي بالمحكمة الجزئية ببريدة ان محاكمات الإرهابيين ستحقق الأمن المنشود للجميع بإذن الله. وقال الحسني إن القضاء في المملكة يسير وفق الكتاب والسنة وما يصدره ولي الامر من أنظمة لا تتعارض معهما، موضحاً ان القضاء في بلادنا المباركة يفصل في مختلف القضايا سواء في المعاملات او قضايا الاسرة والجنايات الصغيرة والكبيرة، ومن ضمن ما يقضي به القضايا الخاصة كقضايا الحوادث الإرهابية الآثمة التي تعرضت لها بلادنا لأن هذه القضايا تعد من باب الجنايات. وأضاف الشيخ الحسني ان كل من اتهم في جناية فإنه يعرض على القضاء ليقول فيه كلمته. وعدد القاضي الحسني عدة مزايا يتميز بها القضاء السعودي قائلاً ان اولها وأعلاها هو ان القضاء يسير وفق كتاب الله وسنة رسوله، ولن يظلم احد يحاكم وفق هذين الاصلين بل ستحقق له العدالة بإذن الله، وثانياً انه يقوم على سدة القضاء رجال اكفاء وعلماء كبار يتقدمهم العلامة الشيخ صالح اللحيدان رئيس مجلس القضاء الاعلى، وثالثاً: ان المتهم قد حفظت حقوقه في اجراءات القاضي بموجب نظام الاجراءات الجزائية اضافة الى انه لا يكتفي بحكم القاضي ابتداءً فهناك درجات تقاضي بعده، كالتميز ومجلس القضاء الاعلى في حالة الاحكام المشددة كالقتل وقطع الطرف، موضحاً انه قد يصل عدد القضاة في قضية واحدة لثلاثة عشر قاضياً. وأضاف ان هذا جعله ولي الامر لتحقيق العدالة المنشودة للجميع، مؤكداً صحة المقولة القائلة العدل اقوى جيش والأمن اهنى عيش. وقال لقد نظرت عدداً من القضايا كهذه الأنواع واخف واعلى ولم اتعرض لضغوط من اي مسؤول سواءً بسؤال او توجيه في الحكم، او بأي نوع من التدخل سواء كان المسؤول صغيراً او كبيراً مباشراً او غير مباشر، واعتبر الحسني هذه من نعم الله سبحانه وتعالى فلا سلطان على القضاة في قضائهم الا سلطان الشريعة الاسلامية، كما هو منصوص عليه في نظام الحكم. وأكد القاضي الحسني ان هذه المحاكمات ستحقق الأمن المنشود لأن المدان إذا دين قضاءً وحكم عليه بحكم مكتسب القطيعة مستوف الامور الشريعة سواء بحد أو تعزير فإن نتائج هذا الحكم ستحقق الأمن للجميع الأمن ضرورة من ضرورات الحياة بل تفوق ضرورة الغذاء والكساء فلا يستساغ طعام اذا انعدم الأمن والأمان لا يكون الا مع الايمان، والسلام لا يكون الا مع الاسلام. وأكد القاضي الحسني اهمية الشرع العادل والسلطان القوي كما في بلادنا ولله الحمد لحفظ الأمن واشاعته وهو لا يتوافر الا بمحاكمة هؤلاء الإرهابين وأحذر الاحكام على المدان فيهم قضاءً وشرعاً، وسأل القاضي الحسني الله أن يعين ولاة أمرنا ويوفق القضاة المكلفين في هذه المهمة. أكد الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الخليفة امام وخطيب جامع العساف بحي الجندل ومدرس العلوم الشرعية بثانوية الرس العامة اهمية محاكمة الإرهابيين، وقال: ان اعلان محاكمة اصحاب الفكر المنحرف امر يدعو إلى الارتياح ويزيل الشبه، ويطلع العالم بأسره أن المملكة لن تخشى في الله لومة لائم. وقال: منذ أن انقدحت شرارة الإرهاب والأمة تعاني الأمرين على المستويين المحلي والعالمي فمحلياً كان المواطن يسافر إلى أي بقعة في العالم حاملاً جوازه الأخضر الذي يحمل معاني السلام والوئام، ويحتضن بين جنبيه المحبة والمسالمة والنظرة الصائبة المعتدلة وكان محل تقدير واحترم الجميع وثقتهم فيه. وأشار الخليفة الى ان هذا النوع من التعامل مع المواطن السعودي قد تغير مع الاسف بعد ان اكتوى الكثير بنار الإرهاب، وشاهدوا آثاره فقد اصبح ينتظر إلى السعودي نظرة حذرة وخوف وحيطة وإجراء دقيق وهذه المحاكمات والأحكام تثبت للعالم أن السعودية تحارب الإرهاب والإرهابيين وتطبق الشريعة على منفذيه ومخططيها من أبنائها من دون مجاملة أو استثناء. وبين الشيخ الخليفة أنه على المستوى العالمي فقد كان ينظر للمسلم نظرة اجلال وتقدير والدعوة إلى الله لا تكاد تترك بقعة في العالم إلا وأسهمت بنصيب، فالمساجد والمراكز قد رفعت أعلامها وكثر مرتادوها وطلابها، وكاد يصل إلى القمة دعمها ولا مجال للشك في مسيرتها، ولكن بعد انقداح هذه الشرارة الخبيثة العفنة تقلص نشاطها ووضعت ألف علامة استفهام على روادها. وأضاف الشيخ الخليفة أن هناك بعض الأقلام انبرت لوصف الإسلام بالإرهاب واستغل الوضع أطراف لها أهداف خبيثة للتجني والنيل من بلادنا التي تدعو إلى الإسلام والسلام وتمقت الغلو والتطرف، وأفاد الخليفة انه يتحمل وز هذا وذاك أشخاص ومنظمات نشرت فكر التكفير، ودعمت شرارة التفجير وضللت كثير من الناشئة وحرفت فكرهم ليكونوا خناجر مسمومة في صدور أمتهم. وأكد الخليفة أنه يشارك هؤلاء ويتحمل نتائجه أولئك المتغاضون والساكتون عن أفكار الجرائم والتي تحدث مع الاسف باسم الدين والجهاد والدعوة والإصلاح ومعاذ الله أن يكون دين الله كذلك ولكن قاتل الله الاهواء والجهل. وقال إمام وخطيب جامع العساف بالرس إن المملكة لن تخشى في الله لومة لائم، فمن تلطخت يداه بدم تنفيذاً وتخطيطاً فحكم الله فيه أوضح من الشمس في رابعة النهار، ومن كان قد غرر به واستبان له وجه الحق وعاد إلى رشده فلن يعدم ما يناسبه من أحكام الله. وأكد الخليفة أهمية ابعاد أصحاب الفكر المنحرف عن مواطن التأثير حتى يعودوا لرشدهم ولا يتركوا يعثبون في العقول وينشرون الشبه. فمتى يبلغ البنيان يوم تمامه إذ كنت تبني وغيرك يهدم اعتبر الدكتور يوسف بن أحمد الرميح أستاذ علم الاجرام ومكافحة الجريمة والأستاذ المشارك بجامعة القصيم والمتخصص بقضايا الإرهاب محاكمات الإرهابين خطوة جريئة في الاتجاه الصحيح وخطوة كنا ننتظرها منذ فترة طويلة، مؤكداً أنها ستحق الحق إن شاء الله، وأضاف أن الإرهاب يشمل جريمتين هما جريمة فكرية وسلوكية فالجريمة السلوكية هي قريبة للجرائم الأخرى، فالافساد في الأرض مع اختلاف رئيسي وهو أن الإرهاب لا يعرف الضحية وضحيته هو للاسف الشديد من كان في المكان الخطأ والوقت الخطأ أيضاً ولكن الإرهاب السلوكي بلا شك أخطر بكثير من جرائم الافساد في الأرض، حيث إن الافساد قد ينطوي على جرائم كالقتل والغيلة والسرقات والخمور والمخدرات. وأشار الرميح إلى أن الإرهابي هو إنسان يريد تدمير مؤسسات الوطن كالمؤسسة الاقتصادية فقد استهدف عدداً من الإرهابيين مصفاة بقيق والضمية هنا ليس شخصاً بعينه بل مقدرات الوطن والمجتمع والإرهاب أكبر من كونه افساداً بالأرض، حيث انه في حالة الإرهاب يقتل عدد من الأبرياء، كما حدث في تفجير المرور والمحيا وقتل الطفلة وجدان وغيره. أما الافساد في الأرض فإن المجرم يقصد ضحية بعينها ولذا فخطر الإرهاب من أخطر الجرائم على وجه الأرض لأنه ينطوي على جريمة أخرى هي الجريمة الفكرية وهذه أصعب من الجريمة السلوكية، حيث إن الإرهاب الفكري يسبق الإرهاب السلوكي ويتزامن معه ويسبقه فالفكر الإرهابي أساس السلوك الإرهابي من ناحية القياس ومن ناحية التجريم، حيث إن عدداً من الإرهابيين إرهابهم السلوكي هو نتيجة كالإرهاب الفكري. وأشار إلى أن الأجهزة الأمنية نجحت في المواجهة الميدانية وحافظت على "كرامة الإنسان" أثناء سير التحقيقات مع المتورطين. ودعا الدكتور الرميح إلى أهمية دراسة الإرهاب من قبل متخصصين بهذا المجال يرفعون تقاريرهم الموثقة والتحليلة للجهات الشرعية لتستنير بها. وتحدث الدكتور عبدالله بن محمد بن حميد المدير العام لفرع وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بمنطقة عسير فقال : نعلم جميعاً ما تعرضت له المملكة من اعتداءات إرهابية وحوادث مؤلمة يتفطر لها القلب، من أبنائها للأسف الذي قابلوا المعروف بالجحود ورضوا بأن يكونوا أذنابا ويعضوا اليد التي امتدت لهم بالخير ويطعنوا بالخنجر في الصدر الدافئ الذي أحتضنهم. وحصل ما حصل من الحوادث الإجرامية التي دمرت المقدرات وأزهقت الأرواح المعصومة، وأساءت أيما إساءة للدين الإسلامي الحنيف دين الرحمة والرأفة والإنسانية ولهذا البلد وقيادته ومواطنيه. ومع كل هذا نجد أن القيادة الراشدة لا تخرج عن المنهج ولا تبتعد عن الطريق طريق الله القويم وشرعه الحكيم فهاهي تحيل موضوع محاكماتهم إلى كتاب الله وسنة نبيه ليقول قوله الفصل فيهم ولم يؤخذوا جزافاً فهذا يدل على التمسك الحقيقي لهذه البلاد بالكتاب والسنة، وكذلك الروية والتأني وأخذ الأمور بالتي هي أحسن ليأخذ المذنب عقابه وفقاً لشرع الله ومنهاجه. نسأل الله العلى القدير أن يديم على بلادنا نعمة الأمن والإيمان والرخاء والاستقرار وأن يجنبها الفتن ما ظهر منها وما بطن. كما تحدث المهندس علي بن عبدالله القاسمي عن بدء محاكمة عناصر الفئة الضالة فقال: تظل محاكمة الإرهابيين مطلباً ملحاً حتى نخفف كثيرا من تداعيات الإحداث التي نفذت في أماكن وأزمنة مختلفة وضُرِب من خلالها الوطن في "القلب" لا للحدث ذاته فقط، بل لأن رقماً لا يستهان به من أبنائه غابوا عن الوعي، وأصروا على ترتيب مسبق مع محرضين جبناء، ومخططين بُلءه نحو تنفيذ ما اعتقدوا لحظة غباء انه سيزعزع امن وسلام وطن معطاء. المحاكمة والتي لن تخرج بالتأكيد عن إطار شرعي تأتي بعد كشف كل الخطوط، والخيوط، وقراءة التفاصيل التي سارت بالعقول إلى بِرَكء الدماء، ولا يمكن لعاقل على وجه البسيطة أن يقبل بأن تتعرض بلاده لتلك الأعمال المؤلمة والتي راح ضحيتها أبرياء دون محاكمة، ولنا أن نسأل عن الضريبة البشرية والمادية التي دفعها الوطن جراء خيالات وطموحات أفراد لم يلامسوا النجاح في مسيرة الحياة لينتقلوا بالجنون والطيش ليكتبوا الكارثة على جبين الوطن، ومابين المنفذ والمخطط والمنفذ يتساوى العقل الإرهابي لكن الفكر الشيطاني يتفاوت كثيرا، وعلينا من هنا أن نبدأ في الالتفات والتركيز على كل المحرضين والمخططين ونقضي على كل أوراقهم حتى لا نفاجأ بشباب لا يعرف من التنفيذ إلا اسمه ويقضون على أحلامهم المشروعة فيما الرؤوس الكبار تعد العدة لعمل فاشل آخر.