تشرع المحكمة العامة في الرياض بعد غد الاثنين في النظر بقضايا المتورطين في حوادث التفجيرات الإرهابية التي شهدتها مدن ومناطق المملكة خلال السنوات الماضية. ويبلغ عدد القضاة الذين تم تكليفهم للنظر في هذه القضايا (10) قضاة، منهم ثلاثة من المحكمة الجزئية بالرياض، وعدد منهم من المحكمة العامة، والبقية تم اختيارهم من أماكن أخرى. وستشمل المحاكمات التي يتوقع أن تواكبها اجراءات أمنية دقيقة في مقر المحكمة كافة المتورطين في الأحداث الإرهابية التي راح ضحيتها عدد كبير من رجال الأمن والمواطنين والمقيمين (قتلى ومصابين) ويتوقع أن تشمل المنفذين والمحرضين والداعمين والمهربين للمتفجرات وغيرهم. "الرياض" تقدم سلسلة من التحقيقات عن بدء محاكمة "الفئة الضالة" وأهمية هذه المحاكمة، وأبعادها الأمنية والاجتماعية والسياسية. محاكمة عادلة في البداية تحدث الدكتور محمد النجيمي الأستاذ في كلية الملك فهد الأمنية بأن المحاكمة ستتم بناء على الأنظمة القضائية بالمملكة وينظر فيها عدد من القضاة، والحمد لله ليس عندنا محاكم عسكرية، بل جميعها مستمدة من المصدرين الأساسيين الكتاب والسنة، والمحاكمة حق سيادي في كل من أخل بالأمن أو تعاطف معهم. وأحب أن أطمئن أهالي الموقوفين بأن أبناءهم واقرباءهم سيحاكمون محاكمة عادلة وفق التشريع الإسلامي ودستورنا القرآن، مؤكداً على أن المحاكمة جاءت في وقتها، حيث هناك خلايا إرهابية مرتبطة بعضها ببعض وحتى يكتمل البحث عن الخلايا النائمة، ولاكتمال التحقيق كان لا بد من تأخير المحاكمة لهذا الوقت. المحاكمة.. تعرية للفكر الضال وقال الأستاذ الدكتور سليمان بن عبدالله العقيل استاذ علم الاجتماع بكلية الآداب بجامعة الملك سعود ان المجتمع السعودي عمد منذ تأسيسه إلى المحافظة على التوازن الاجتماعي والفكري والثقافي في المجتمع، فالحركة الاجتماعية المتضمنة التغيرات المختلفة نتيجة الاحتكاك بالمجتمعات الاخرى وتغير أساليب الحياة والتعليم وارتفاع مستوى الدخل وغيرها تدخل ضمن التوازن في إدارة المجتمع والمحافظة على الأمن والاستقرار والاستمرار فيه، ولذلك فإن المدخلات الثقافية من أي ثقافة أو فكر أو حركة أو سلوك، وغيرها في المجالات المختلفة (الدينية والفكرية والثقافية والسياسية والاجتماعية) لا بد وان تكون ضمن ثقافة المجتمع السعودي المحافظة على المعطيات التاريخية والدينية والثقافية له، وبذلك فإن أي مدخل لا يتوافق فإن مصيره الرفض والاضمحلال بل والازدراء وعدم الاتباع. واضاف: لقد نبه سمو الأمير نايف مراراً كثيرة حول خطورة هذه المدخلات الفكرية والانحرافات السلوكية ودعا لمواجهتها بالفكر والسلوك الجمعي الواعي الذي يؤسس لقوانين حامية وحافظة لعقل وفكر المجتمع، وأزعم ان الأمير نايف هو اكثر الواعين بخطورة مثل هذا الفكر وتداعياته منذ زمن بعيد، ولم تزل مناسبة، ونبه فيها سموه حول خطورة الفكر ومواجهته كدعوة لجميع أبناء المجتمع والفعاليات الاجتماعية المختلفة للمشاركة في المواجهة. واشار إلى ان المحاكمة التي سوف تبدأ لمرتكبي بعض الاحداث الإرهابية ورموزها الفكرية والداعمين له والملتفين حوله، ليست سوى آلية من آليات تعرية هذا الفكر، وكذا دعوة عامة لأبناء المجتمع للمشاهدة عن قرب والتعرف عليه حتى لا يقع البعض فريسة له، ثم ان هذه المحاكمة رسالة للعالم بان مصير الموقوفين هو القضاء المستمد من شريعة الله، مؤكداً على أن محاكمة هذه الفئة ليست الا احقاقاً للعدل لهم، فقد اعتدوا على حقوق الغير من الناس وروعوهم وفتنوهم في دينهم. وقال عضو مجلس الشورى وأستاذ الاقتصاد الدكتور وليد عرب هاشم: أي شخص خائن لوطنه لا بد أن يحاكم، وخاصة ممن تربوا وتعلموا وأكلوا من خيرات هذا البلد، وفجأة انقلبوا على وطنهم ودينهم بطرق ملتوية وخديعة بينة، وبينوا أنهم جزء من الوطن في الخارج وهم بالداخل ضده وهذه أسوأ ما يواجهك به المنافق ولا بد أن يلاقوا جزاءهم، وتكون محاكمتهم صارمة وشديدة وعلنية حتى تردع من تسول له نفسه أن يسير في خيانة نفسه وبلده، وحتى يكون من قبله عظة وعبرة له. وأضاف: أؤيد هذه المحاكمة وبأسرع فرصة حتى لا تنسى الجريمة التي ارتكبت، وكلما أسرع بالعقاب كلما كان أفضل، وأقول لأسر هؤلاء الإرهابيين إن أبناءكم سلكوا هذا الطريق فهو شيء مؤسف ولكنه محدود ومرهون بهم، ولا ينعكس عليكم حيث لا تزر وازرة وزر أخرى، فإن وجد منا من يفعل هذا بوطنه وأهله فهذا ليس معناه أن الأسرة ملامة وحدها بل المجتمع أسرة واحدة ونحن نتألم إن سلك أحد منا هذا الطريق، والقضاء سيأخذ مجراه. مسؤوليتنا الاجتماعية ويحدثنا الدكتور صالح الرميح أستاذ علم الاجتماع بجامعة الملك سعود قائلاً: الإرهاب من أخطر الأشياء على مقدرات المجتمع وتطوره ونهضته وهو أخطر ما يواجهه العالم، فالإرهاب ليس له دين ولا يرتبط بجنس ولا بمذهب، فنظراً للأحداث التي حصلت بدول العالم ومنها المملكة أصبحت مكافحة الإرهاب هماً عالمياً، تداعت له جميع الدول باختلافاتها، لأن الأضرار التي تلحق بمثل هذه التفجيرات والخراب والدمار الذي يلحق بالدول يحد من تقدمها ويؤثر على شبابها وبنيتها الاقتصادية، فالمملكة ولله الحمد قد تعدت مرحلة المواجهة الأمنية إلى التصدي إلى الفكر الذي يغذي المنتمين إليه. وأضاف: لقد استطاعت الجهات المختصة من القبض عليهم وهم فئة قليلة غرر بها، مشيراً إلى أن الدولة تعمل على تحقيق المحاكمة العادلة وفق الشريعة الإسلامية. ومن هذا المنطلق نؤكد على دور الأسرة والمجتمع في الحفاظ على أبنائها، فدور الأسرة يكمن في المتابعة الدقيقة وتتبع أصدقائهم وفتح النقاش الهادف والحوار الشفاف، ومساعدتهم على تصحيح المفاهيم المغلوطة في الحياة.. وخاصة ضد الدين والدولة. ويقول عضو هيئة حقوق الإنسان ونائب رئيس اللجنة الوطنية للمحامين الأستاذ هادي اليامي: أشيد بهذه الخطوة المهمة التي تنم عن حرص القيادة الرشيدة بمحاكمة جميع من اتهم بالقضايا الإرهابية أو شارك بها، وفق نظام جزائي لجرائم الإرهاب، ومستمد من أحكام الشريعة الإسلامية، ومتوافق أيضاً مع الأنظمة والقرارات الدولية ذات الشأن.. وتأخير هذه الخطوة لا شك أن لها أسباباً دعت الجهات المختصة منها استكمال إجراءات التحقيق وأهمية مثل هذه القضايا وأثرها على البلد والمجتمع، كما نأمل أن ما سيصدر عن هذه المحاكمة تجاه المهتمين أن يكون رادعاً لمن تسول له نفسه أن يخرج عن الإطار السليم والقويم للمواطن الحقيقي. أما عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد الدكتور سعد بن محمد مارق، فيقول: إن جريمة الإرهاب ليست جريمة عادية بانتهاء التحقيق يحال المجرم إلى المحكمة وينتهي الأمر، بل هي من الجرائم المختلفة والجديدة على المجتمع، فتوقيف المتهمين بمثل هذه الجرائم للتحقيق سيكشف للجهات المختصة بكل مرة معلومات جديدة فيها الكثير من الفائدة للتصدي لمثل هذه الجرائم بالمستقبل، فالخطوات الحالية إيجابية وتنم عن حرص المسؤولين على أمن المواطنين، وبما أن الموضوع اعتمد على القضاء نأمل أن ينظروا إلى المجرم ويصدر الحكم بحجمه الذي يستحقه، لأن ما سيترتب على هذه الأحكام سيكون بحكم الرادع لمن يفكر بالإقدام بمثل هذه الجرائم مستقبلاً.. وهذه المحاكمات ستكون متوافقة مع الشريعة الإسلامية والقوانين الخاصة بالقتل أو التخطيط له أو حتى من يقوم على تخويف وزعزعة أمن المواطنين أو المقيمين.