* على الصعيد المدني العام للتفاعلات الروسية - الإيرانية، ثمة تعاون في مجالات الطاقة والصلب والطيران. وهناك مشروعات خاصة بالسكك الحديدية والممرات الدولية بصفة عامة. وتتبدى، في الوقت ذاته، جملة رهانات على الصعيد العسكري الاستراتيجي. لقد اتفقت شركات السكك الحديدية، في كل من إيرانوروسيا وأذربيجان، على إنشاء كونسورتيوم لمد خط حديدي من مدينة قزوين الإيرانية إلى منطقة استرا الأذرية. وقد بات على طهران انجاز الطريق الذي يربط بين مدينتي قزوين ورشت الإيرانيتين، والبالغ طوله 138كلم، والذي تقرر الانتهاء منه في العام 2012.وسيشكل خط قزوين - رشت - استارا الحلقة المفقودة من شبكة السكك الحديدية، الخاصة بالخط البري، لنقل البضائع بين أوروبا ومنطقة الخليج والمحيط الهندي، والمعروف بممر الشمال - الجنوب. وكان قد جرى في الأصل، التوقيع على اتفاقية لإقامة هذا الممر، من قبل كل من روسيا والهند وإيران، في أيلول سبتمبر من العام 2000، خلال المؤتمر الدولي الثاني للنقل، الذي عقد في سانت بطرسبرغ. ولاحقاً، أعربت عن رغبتها بالانضمام إلى المشروع كل من كازاخستان وأذربيجان، والسويد وفنلندا، وحتى بلغاريا، الواقعة خارج نطاق خط سيره. وفي سياق مواز لهذا المشروع، تبحث روسيا وأرمينيا خططاً لإنشاء ممرات نقل جديدة بين البلدين، بعدما قطعت جورجيا الطريق الوحيد الذي يربط بينهما، بعد حرب الأيام الخمسة في القوقاز. ومن الخيارات المتداولة في موسكو، إنشاء خط حديدي من أرمينيا إلى إيران. وقال متحدث باسم هيئة السكك الحديدية الروسية، في الثاني من أيلول سبتمبر من هذا العام، إن الجانب الروسي سيعاود بحث مشروع إنشاء هذا الخط في ضوء المستجدات. وتمر حالياً جميع الطرق البرية التي تربط روسيابإيران في الأراضي الأذربيجانية والتركية. وعلى صعيد ثالث، تعتزم كل من طاجيكستان وإيران وأفغانستان بناء خط حديدي إلى آسيا الوسطى. وقد ناقش وزراء خارجية الدول الثلاث هذا المشروع، في اجتماع ضمهم في العاصمة الطاجيكية دوشنبه، في آذار مارس الماضي. وبحسب تصريح للوفد الأفغاني، تتعهد كابول بمد 600كيلومتر من الخط على الأراضي الأفغانية، على أن تحذو إيران وطاجيكستان حذوها، مما يسمح بفتح خط عبر أوزباكستان وقرغيزستان، في مرحلة لاحقة، لربط إيران شرقاً بالصين وشمالاً بكازاخستان وبحر أرول. وعلى صعيد الممرات المائية، يسعى الروس حالياً لإنشاء قناة جديدة بين بحر قزوين والبحر الأسود. وكانوا قد وصلوا هذين البحرين عبر قناة الفولغا - الدون، إلا أن طاقة هذه القناة تعتبر محدودة، إذ لا تسمح بمرور سفن يصل طاقة شحنها خمسة آلاف طن. ومن ناحيتها، تدرس إيران، بمساندة روسية، إنشاء قناة تربط بين بحر قزوين والخليج العربي. وعلى صعيد التفاعلات الإيرانية الروسية في مجال الطاقة، تجري حالياً مفاوضات بين إيران وشركة غازبروم لعقد اتفاقية تستثمر بموجبها الشركة الروسية مراحل جديدة في حقلي "فارس الجنوبي" و"ازادغان الشمالي" الإيرانيين. وتشارك غازبروم، منذ العام 1997، في تنفيذ المرحلتين الأولى والثانية من حقل الغاز "فارس الجنوبي"، بالاشتراك مع شركتي توتال الفرنسية ( 40في المئة) وبتروناس الماليزية ( 30بالمئة). وعلى صعيد آخر، بدأت اللجنة الثلاثية المعنية ببناء مصفاة النفط في أرمينيا، التي تشارك فيها روسيا وأرمينيا وإيران، ببحث خطط لمد خط لأنابيب النفط بين الدولتين الأخيرتين. وذلك حسبما أعلن وزير الطاقة الأرمني، أرمان موفسيسيان، في العاشر من أيلول سبتمبر من العام الجاري. ويتوقع أن يموّل هذا المشروع، الذي تبلغ تكلفته نحو ثلاثة مليارات دولار، من قبل أرمينيا وإيرانوروسيا. وبعد إنجازه سوف تعمل المصفاة، بطاقتها البالغة 7ملايين طن سنوياً، لتلبية حاجات السوق الإيراني. وخارج إطار المشروعات النفطية، توصلت روسياوإيران، في حزيران يونيو الماضي، إلى اتفاق يقضي بالإنتاج المشترك داخل إيران لطائرتي الركاب "توبوليف" (تو - 204) و(تو - 214). وفي ميدان آخر، تقدم في آذار مارس الماضي مجمع "مغنيتوغورسك" للحديد والصلب، وهو أكبر مجمع روسي في هذا المجال، بعرض لشراء شركة "أصفهان للصلب" (Esfahan Steel)، التي تعد الأكبر من نوعها على مستوى إيران. وحسب تقديرات بعض الخبراء الروس، فإن قيمة الصفقة المرتقبة تقع في حدود ملياري دولار. ويصدر مجمع "مغنيتوغورسك" إلى إيران حالياً نحو مليون طن من الصلب في السنة. وحسب الكسندر مارياسوف، مدير دائرة آسيا في وزارة الخارجية الروسية، فإن أرباح روسيا من المشروعات المشتركة مع إيران قد تصل في "المستقبل القريب" إلى عشرين مليار دولار. وفي السياق الاستراتيجي للتفاعلات الروسية الإيرانية، يرى بعض الخبراء الروس أن ثمة حاجة روسية، في الوقت الراهن، إلى مزيد من الخطوات لتخفيف التوتر عند حدود روسيا، وذلك على خلفية حرب الأيام الخمسة في القوقاز. وحسب هؤلاء، يمكن تحقيق ذلك من خلال جملة أمور، من بينها الدخول في "حلف استراتيجي" مع إيران. ويرى هؤلاء أن موقع إيران الجغرافي من شأنه أن يمنح روسيا فرصة الإشراف على منطقتي الخليج العربي والقوقاز، أي المنطقة الممتدة من المحيط الهندي حتى البحر الأسود، حيث تتواجد قوات الناتو. ويرى هؤلاء، أنه إذا ما اقترحت روسيا على إيران اتفاقية "استراتيجية شاملة"، في المجالين السياسي والعسكري، فإن هذه الأخيرة قد توافق على إقامة قواعد عسكرية روسية في أراضيها. وحسب التقارير الروسية، فقد تنبهت القيادة الإيرانية إلى أخبار مفادها أن الحكومة الجورجية أعطت موافقة مفتوحة للولايات المتحدة وإسرائيل لتستخدما أراضيها منطلقاً لضرب إيران. ولهذا "يمكن أن توافق" طهران على إقامة قواعد عسكرية روسية. وفي تعزيز لمقولة "الخطر الجورجي" على إيران، رأى مندوب روسيا الدائم لدى حلف الناتو، دميتري روغوزين، أن جورجيا تعتبر في نظر الولاياتالمتحدة قاعدة مثلى لضرب إيران. وقال روغوزين في حديث صحفي له في بروكسل، في 17أيلول سبتمبر من العام الجاري: إن "قيمة (الرئيس الجورجي ميخائيل) ساكاشفيلي تكمن في هذا الأمر أيضاً". وحسب المسؤول الروسي، فإنه تتوفر لدى موسكو "معلومات" تشير إلى أن البنية التحتية العسكرية الجورجية، التي يجري العمل على إعادة بنائها، قد تستخدم للدعم اللوجيستي في ضرب إيران من قبل الولاياتالمتحدة. وحسب بعض التقارير الروسية أيضاً، فإن جورجيا اتخذت كذلك "قراراً سرياً"، منحت بموجبه إسرائيل حق استخدام قاعدتين عسكريتين في أراضيها لضرب المنشآت الإيرانية. ويطرح بعض الخبراء الروس تصوراً يقوم على فكرة إنشاء قاعدتين عسكريتين لروسيا في إيران، الأولى في شمال غرب البلاد، وتحديداً في تبريز. والثانية في جزيرة قشم بالخليج العربي. ويشرح هؤلاء تصورهم بالقول إن القاعدة العسكرية في تبريز سوف تسمح لروسيا بمراقبة كل ما يدور في أراضي جورجيا وأذربيجان وتركيا، بالإضافة إلى البحر الأسود بكامله. أما القاعدة المقترحة في جزيرة قشم، فسوف تتيح لروسيا مراقبة كافة التحركات الأمريكية في الخليج وبحر العرب "في الجو، وفوق الماء وتحت الماء". وسوف ينتفع كل من الإيرانيين والروس من بيانات هذه المراقبة - كما يقول هؤلاء. ويرى الخبراء الروس أن التحالف الروسي - الإيراني سيشكل قاعدة صلبة "لتأسيس مثلث استراتيجي قوي"، تتكون أضلاعه من روسيا - إيران - الصين. وبموازاة التصوّرات الخاصة بتشكيل التحالفات، أشارت تقارير مختلفة إلى صفقة محتملة لتوريد أنظمة دفاع جوي روسية من طراز (S-300PMU1) إلى إيران، وهي أنظمة متوسطة المدى، تستطيع ضرب 24إلى 36هدفاً في آن واحد، على بعد يصل إلى 200كلم وعلى ارتفاع يتراوح بين 10أمتار و 30كيلومتراً. وإذا حدث بالفعل وزود الروس إيران بهذه المنظومة الصاروخية، فسيكون ذلك مؤشراً كبيراً على طبيعة المسار الذي تمضي عليه العلاقات الروسية الإيرانية. وكان وزير الدفاع الإيراني، مصطفى نجار، قد أعلن، في كانون الأول ديسمبر الماضي، أن روسيا سوف تصدّر لبلاده هذه الصواريخ. كما أكدت الهيئة الفيدرالية الروسية للتعاون العسكري التقني، في الشهر ذاته، أنها تدرس هذا الموضوع. وحسب التقديرات السائدة في روسيا، فقد يحسم هذا الأمر علناً عند موافقة حلف الناتو على ضم جورجيا أو أوكرانيا إلى برنامج عضويته. أما صحيفة "الديلي تلغراف" البريطانية، فقد أفادت بأن روسيا ربما جهزت إيران في "الفترة الأخيرة" (بعد حرب الأيام الخمسة في القوقاز) بأجزاء من صواريخ (S-300PMU1)، إلا أن منصات الإطلاق لم تصل للإيرانيين بعد - كما تقول الصحيفة. وهو الأمر الذي سارعت طهران لنفيه. وكانت التقارير الأولى حول تصدير روسيا صواريخ (S-300PMU1) إلى إيران قد ظهرت في أواخر العام 2005، وأوائل العام 2006، إلا أنه لم ترد بعد ذلك أخبار عن مجرى تنفيذ هذه العملية. وكانت إيران قد وقعت مع روسيا، في نهاية العام 2005، اتفاقية تقضي بشراء 29وحدة من منظومات الدفاع الجوي القريب المدى، من طراز (Tor M-1). وبدأ الروس بتزويد طهران بهذه المنظومات منذ مطلع العام 2007.وما يمكن الإشارة إليه أخيراً، فيما يتعلق بصواريخ (S-300PMU1)، فإنه إضافة للأبعاد السياسية، هناك قيود فنية وعملية تفرض نفسها على قضية تزويد روسيالإيران بهذه الصواريخ، فروسيا لا تملك كميات كبيرة منها، سيما وأنها تعهدت بتسليم عدد منها إلى بيلاروسيا. كما أبرمت مؤخراً اتفاقاً مماثلاً مع تركيا. وقد تتمكن روسيا من تصدير المزيد من هذه الصواريخ بعد أن تدخل الخدمة في جيشها منظومات إضافية من Triumf-(S-400 (SA-21)، وتخرج تبعاً لذلك منظومات (S-300PM)، بشقيها (S-300PMU1) و(S-300PMU2). وفي الأخير، فإن قرار تزويد طهران بصواريخ (S-300PMU1) يبقى قراراً سياسياً بالدرجة الأولى، تحدده معطيات البيئة الدولية، أو لنقل بيئة التفاعلات الروسية الغربية، التي دخلت لتوها مرحلة جديدة من إعادة التشكل، بفعل حرب الأيام الخمسة في القوقاز.