هذا يومٌ من أيام عيد الفطر. أبارك للمسلمين في يومهم هذا. ويعودون لمثله إن شاء الله أعياداً عديدة. وقد فكرت ليلة العيد في العيد. وكنت كتبت عن العيد في العام الماضي، ولكنني ما زلت أدير الفكر. فأعياد المسلمين لا تشبه في جملتها الأعياد عند غيرهم. فهي تجمع بين العبادة وقليل من الفرح والسعادة. قضية ارتباط العبادات بالعيد قضية مثيرة للتفكير. ذلك أن العبادات التي عادة ترتبط بأعياد المسلمين هي: الصلاة والتهليل والتكبير والذكر والصدقة والنسك. هذه الأعمال تأخذ من المسلم حيزاً من الوقت والتفكير قد تصرفه عن التوسع في الفرح والسعادة. لهذا فمعنى العيد الإسلامي يأخذ منحى يختلف عن معاني العيد عند غيرهم. ونحن نعرف أن يوم الجمعة يسمى عيداً. لهذا يصح أن نقول أن معنى العيد يعني مجموع ساعات اليوم الواحد مضافاً إليه العمل الديني مثل الصلاة وقراءة القرآن. فقد ورد عند البخاري ومسلم أن يوم الجمعة بمثابة يوم عيد للمسلمين. فأي مظهر من مظاهر الفرح يتم في يوم الجمعة. لم يرتبط يوم الجمعة في تاريخ المسلمين بأي احتفال، سوى أنه يوم عبادة. ولم يعرف المسلمون عطلة أو توقف عن العمل. واعتباره يوم عطلة إنما حدث في زمن متأخر، ولم يكن معروفاً على الأقل في عصر الرسالة. وحتى في عصر الرسالة لم يتوقف المسلمون عن العمل في أعيادهم. أما زكاة الفطر التي تصرف للفقراء قبل يوم العيد، فلم يكن الهدف منها تعويض العمال والحرفيين وغيرهم جراء توقفهم عن العمل، بل هي للفقراء والمساكين خاصة، وهدفها كما ورد في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، صرفهم عن السؤال والشحاذة في يوم مشهود. ولقد عاصرت في مدينة المجمعة، في مقتبل شبابي العمال والحرفيين وأرباب التجارات والصنائع يعملون في الأعياد. هل نستطيع أن نقول أن الفرح والبهجة والسعادة ليست من معاني أعياد المسلمين. هذا القول فيه تفصيل قد يطول. ولعل حديثاً ورد في مسند الإمام أحمد يفسر لنا معنى العيد الإسلامي، وفيه أن يوم الجمعة يوم عيد فلا تجعلوا عيدكم يوم صيامكم إلا أن تصوموا قبله أو بعده. وهذا يعني أن يوم العيد لا يصوم فيه المسلم. وهو يعني أن العيد يرتبط بالأكل المباح دون توسع. وما غير ذلك فيوم العيد مثل سائر أيام الأسبوع. وارتباط الصيام بالعيد الإسلامي ارتباط وثيق. فعيد الأضحى أو العيد الكبير يسبقه صيام يوم عرفة، وعيد الأضحى لا يقع في شهر صوم كما هو معروف. وهذا الارتباط يجعل المرء يظن أن معنى العيد هو إفطار عن صوم طال أو قصر. وفرحة المسلم إنما ترتبط بالأكل لا تتعداه، ففي الأثر للصائم فرحتان أحدهما (عند فطره) مما يعني أن الفرحة إنما هي فرحة معدة. وقد يجتمع العيدان عند المسلمين في يوم واحد. وهذا لا يحدث البتة عند غيرهم. فقد يوافق يوم الجمعة (وهو يوم عيد كما مر معنا) يوم عيد الفطر أو بيوم عيد الأضحى. ولم يرد أن ميّز الشارع الجمع هذا بأية ميزة. مثل جعله يوماً تتضاعف فيه معاني العيد. ما يميزه أمرٌ تعبدي فقط، فقد ورد إعفاء المسلم من شهادة صلاة الجمعة التي عادة ما تستغرق وقتاً أطول. على أنه غير معفى من صلاة ظهر يوم العيد. واقتران العيد بالعبادات أمرٌ واضح في الدين الإسلامي مثل قرن عيد الفطر بالصدقة، وقرن عيد الأضحى بالأضحية. وكلا الأمرين: الصدقة والضحية لهما ارتباط بالأكل والطعام. ولهذا ورد النهي عن الإمساك عن الطعام يومي العيد. أما الصلاة فهي قرينة كل عيد. وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يلقي خطبة دينية في صبيحة العيدين يسبقها صلاة، وهي تشبه خطبة الجمعة قبل الصلاة أيضاً. وسار الخليفتان: أبوبكر وعمر سيرة الرسول عليه السلام. أما الخليفة عثمان فجعل الخطبتين في العيدين قبل الصلاة، وهذا راجع لسبب تاريخي لا داعي للتوسع فيه. ولا يظهر ارتباط الأكل بالعيد في الديانات الأخرى. فعند النصارى البروتستانت والكاثوليك والروم عيد الكريسماس christmas (أو عيد ميلاد المسيح عليه السلام) أهم أعيادهم، بينما عند النصارى الشرقيين خصوصاً الأرثوذكس فإن عيد الفصح Easter أهم أعيادهم. أما اليهود فيأتي عيد روش هاشاناه (عيد رأس السنة اليهودية) ويوم كيبور (يوم الكفارة) أهم أعيادهم الكثيرة. يحتفل البوذيون في آسيا بعيدين دينيين في السنة: الأول يتعلق بعيد ميلاد بوذا، حيث يتجه المحتفلون إلى المعابد وينثرون الزهور على تمثال بوذا وربما يسكبون الشاي الأخضر المحلى على التمثال. والعيد الثاني اسمه كاثينا حيث يقدم البوذيون عباءات جديدة للرهبان على سبيل الإهداء. أما عند الهندوسيين فلديهم عيدان دينيان: هولي وديفالي، وكلها أعياد تجمع بين الفرح واللعب بالماء الملون والاستعراضات وتزيين المنازل وتنظيف الشوارع والحارات. من مقارنة الأعياد الدينية عند المسلمين بغيرهم من أرباب الديانات الأخرى نجد ارتباط العبادات والطعام بأعياد المسلمين. وهذا يفسر مقدار عناية الإسلام بالجانب الروحي وعنايته أيضاً بالحاجات المادية مثل الطعام والشراب. ويقل في أعياد المسلمين عناية كبيرة بالجانب الترويحي مقارنة بأعياد غيرهم من الشعوب. وهذا الأمر مدعاة لمزيد من التفكير والبحث. وكل عيد وأنتم بخير.