كلّما توغلنا في تاريخ الإنسان نجد أن العقل المسكون بالخوف يواكب تاريخ الإنسان بصور مختلفة، وأن الذين يناضلون من أجل التخلص من العقل المسكون بالخوف هم قلة نادرة في كل أدوار التاريخ. ومن هنا خلق الإنسان القديم أساطيره المخيفة ليتماهى معها وينضوي تحت سطوة الأقوى ومثله سار بالاتجاه ذاته الإنسان المعاصر بحيث عمد إلى خلق مخاوفه وجلاديه وأساطيره ليحمي عقله من الخروج إلى أبعد من انضوائه تحت سيطرة قوى تخيفه وتسكن وعيه عن البحث عن أفق حرية. إننا إذا نظرنا إلى الارتباط الوثيق القائم بين الإنسان والعقل المسكون بالخوف أو بالمخاوف سنجد أن العقل المخوف في حياة البشر، إنما هو ناتج من أعماق نفس الإنسان. فلم يحدث في وقت من الأوقات أن تخلى الإنسان عن مخاوفه بشكل مطلق، ولكنه يتطور حسب تطور الذهنية والفكر. وحده الإنسان المتجرِّد من كل انتماء فكري ضيق، ومن كل تماهٍ نفسي وذهني مع كل ما يؤدلج العقل - هو إنسان قادر على الحياة العقلية الحقيقية - في خط مسيرة الإنسانية. وإن العقل اليوم، أكثر من أي يوم مضى، في أمسّ الحاجة إلى مثل هذا التجرد، ومثل تلك الحرية. إن العقل المسكون بالخوف لا يغادر تلك الأمكنة الضيقة التي ألف فيها ظلام المحدود والساذج والمألوف لأنه شغوف بالإتباع والسير ضمن الجموع وهي سمة الضعفاء غير القادرين على الفعل فيحمّلون مسئوليته لغيرهم مع إعطائه دفعات معنوية لا نهائية حتى يقودهم لانتصارات متتالية حتى لو كانت وهمية. مثل هذه العقل المخوف يستعذب البقاء في قوقعته وفي إطار محدد ومرسوم له يعفيه من مجهود التفكير المجرد والملهم ويعفيه من مشقة أن يكون متفردا. وعلى نحو كهذا يسير العقل المسكون بالخوف مقدما رأسه وكله إلى المجتمع والتربية والبشر وحتى المارة بالطرقات وشاشات التلفزة والأبواب الموصدة ليخضعوه لكل تلك الأدلجة المدمرة. ولا يعد مجديا انفتاح الذهن أو قابليته للتفتح وهو يحمل في رصيده الذهني قيود عقله المخوف. اختلق الإنسان منذ البدء الأسطورة ليتماهى معها في بحث دائم عن هوية ، والأسطورة هي الملحمة الإنسانية التي تدلنا على عمق الفكر الإنساني عبر العصور المختلفة، وهي بالتالي الصلة التي تربط الإنسان بفكره وبحياته التي يحياها، ومن هذه الصلة تحدث لديه علاقة التناغم والانسجام مع ذاته ومع الآخر. وأختلق الإنسان عبر الأزمنة أسطورته تماما كما اختلق مخاوفه. وتطور الإنسان كنوع بنفس الاتجاه الذي كانت مخاوفه تسير فيه. فنتج عنه العقل المسكون بالخوف وجاءت الأسطورة كتعبير مباشر لخوف الإنسان من انتمائه إلى الحرية ووعيه بالوجود. أما اليوم فإن الإنسان المعاصر يغض الطرف عن رؤية العقل المسكون بالخوف فهو على الدوام مأخوذ بضجيج الحضارة والحياة وغياب الروح اليقظة ولو لم يكن هذا هو واقع الحال فلم هذا الاغتراب الذي تعاني منه البشر. هل تغنينا العقلية الوضعية حينما تتجاهل الأبعاد المتعددة للوجود الإنساني عن مثل هذه الوظيفة الإيجابية؟! ولو كان ذلك كذلك فلم كل هذا الاغتراب الذى تعاني منه الحضارة نتاج هذه العقلية؟ لقد اختلقت الأسطورة كتعبير مباشر عن وحدة الوجود وعن حضور الإنسان المباشر فى العالم وعن وعيه بهذا الوجود. إن رغبة الإنسان في التماهي في مخاوفه المغروسة في ذهنيته ما هو إلا محاولة ذاتية للخلاص، إذ يمثل التماهي في جماعة، أي جماعة كانت عرقية أو مذهبية، أو فكرية ليس إلا مخدراً معنوياً كما عبر عن هذا الخدر المعنوي ميخائل نعيمة والعقل المسكون بالخوف هو سمه تحدث عند الإنسان بفعل سلطوي يسير في خط مرسوم بدءا من الأسرة والمجتمع والغيبي حيث يلجأ الإنسان إلى التماس توازنه النفسي من خلال التماهي المستمر مع الأقوى أيا كان نوع هذه القوى.الخوف ونتاجه العقل المسكون بالخوف لايحدث إلا نتاج كم هائل من تعاطي الخوف بأشكاله المتعددة، والعقل المسكون بالخوف في كل حالاته هو عقل غير مبدع ومنهزم ولا يمتلك التعاطي مع ذاته أو الآخر دون خوف. إن السير في هذا الاتجاه الذي يأخذ إلى عقل مسكون بالخوف سيكون نتاجه إنساناً منهزماً وضعيفاً أمام الأقوى فهو يحيا حياة متناقضة مع ذاته ويبرر سلوكه بما يعطيه إحساسا قويا بأن ما يقوم به مبررا.