تعج أرجاء المساجد بالروحانية، وتشهد حضوراً مختلفاً خلال الأيام الرمضانية لا سيما في الأقسام الخاصة بالنساء ما بين صلاة التراويح والقيام إلى الأواخر، طلباً للأجر وأن تعينهن الإمامة على الصلاة والقيام والقراءة ولنيل أجر صلاة الجماعة. وفي تلك الأجواء العامرة بالقرب من الله وترك الدنيا خلف باب المسجد بكل التزاماتها ومسؤولياتها وهمومها وأفراحها وأتراحها لهدف واضح وصريح طلب ما عند رب واحد زحد، فرد صمد، وخلال تلك الشعيرة قد ينلن بدل الأجر أجوراً، والحسنة حسنات، فيما لو حرصن أو استوعبن أن قول الله تعالى (خذوا زينتكم عند كل مسجد) تشمل المسلمين عامة، وكل من قصد ذاك المكان الطاهر، والزينة عامة شاملة مع الاحتفاظ بأصول الدين لكلا الجنسين، أي أن زينة المرأة حينها لا تعني التعطر والطيب وهي تعلم أنها قد تلتقي رجالاً في طريقها ذهاباً وإياباً، ولكن الزينة لها أن تذهب نظيفة في زي مقبول وليس بثياب المنزل ولربما بنفس الروائح التي خرجت بها من مطبخها بعد أن أعدت وجبة الافطار، وحتى بذات النفسية المتأففة المتهالكة، والذي قد يجعل بعضهن تحاول ترك فجوة بينها وبين المصلين أو تجلس متنحية عنهم وخلفهن ولربما حرصت أن تصل متأخرة لهذا الغرض حتى لا يعاتبها أحد، والانفراد والتوحد لمن أرادته مكانه منزلها، لأن اجتماع الخير هذا قد يغدق من الصدقات الكثير حين تبتسم في وجه هذه وهذه، وتصل جيرة مشاغل الحياة شغلتها عن الحرص على وصلهم، وتسأل عن الغائبة منهن وتفتقدها، وفي تجاوز الصفوف وتلاحمها من الفائدة ما كان الله تعالى أعلم بفوائده لذا أمر بالتراص والاعتدال، وتسوية الصفوف، وسد الخلل، وها هو علم النفس بعد كل تلك السنوات يكتشف تأثير القرب والتلامس على النفوس وما له من أثر على خلق الألفة والمودة والتقارب والانتماء والود وهذا مما يحققه اجتماع المسلمين، ولا بد أن لا يضيع أجره وفضله، كما أن الأطفال دون سن الاستيعاب ليس مكانهم المسجد لتشتيت المصلين والتشويش عليهم، ولمن يتعللن أن لا مكان يمكن أن يتركن فيه إما أن تتحمل مسؤولية تعليمهم وتلقينهم احترام طقوس الصلاة والعبادة أو أن تجلس بهم وتصلي في بيتها والأجر واحد، وتتحملهم وحدها بدل أن تؤذي بهم المسلمين. وقد تستغل تلك اللقاءات للدعوة للخير والبر وإحياء سنن دثرت والتذكير بها، وعند باب المصلى تعقد وتبيت النية لفتح صفحة جديدة أكثر صفاء ونقاء، وترك الشحناء والضغائن والحسد والنميمة والغيبة، والفرقة والشتات والتباعد وقطع الرحم وغيرها من دروس تعلمناها من المدينة وبعد المسافات، والله نسأل أن لا يضيع أجر من أحسن عملاً ويتقبل من الجميع صيامهم وقيامهم ويغفر لهم ويتعهدهم بواسع رحمته ومغفرته ويتوب عليهم، ويحيي برمضان في قلوبهم نوراً يجعل أيامهم في قربه وخشيته وعبادته كلها رمضان، وجعلنا وإياكم من عتقاء هذا الشهر الكريم آمين يا رب العالمين. ومضة رمضانية "ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا".