@ شدني كثيرا الخبر الذي نشرته هذه الصحيفة حول المشروع الوقفي المميز الذي تعتزم الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام "إنسان" إنشاءه على طريق الملك فهد بمدينة الرياض ليكون رافداً مالياً لأعمالها وبرامجها المختلفة. @ ولا زلت أذكر بكل التقدير والإعجاب المشاريع الوقفية التابعة لمراكز جمعية الأطفال المعوقين في الرياض ومكة المكرمة والمدينة المنورةوجدة والجوف وغيرها. @ وأحضر أو أشارك بين الحين والآخر في مناسبات تنظم لجمع تبرعات تهدف لإنشاء أوقاف خيرية تتبع جهات خيرية يعود ريعها على برامج اجتماعية تنفذها تلك الجمعيات الخيرية الوطنية لعل آخرها كان تلك الحملة التي تبنتها جمعية النهضة الخيرية النسائية لجمع أموال من أجل تشييد وقف الأم التنموي بالرياض والوقف الاستثماري الذي تبنته جمعية الملك عبدالعزيز الخيرية النسائية بمنطقة القصيم. @ هذه التحركات الراشدة تمثل فكرا استراتيجيا يبتعد كثيرا عن المفهوم السابق "السائد" الذي يعتمد "الاستجداء" إلى الأسلوب العصري المتميز "الاستثماري" والذي سيجعل من تلك الجمعيات الخيرية جهات تستفيد من إيراداتها ومواردها المالية التي تقوم بجلبها من خلال أعمال استثمارية ابتكارية تجعل بالإمكان يوما من الأيام الاكتفاء والاعتماد على الموارد والموجودات لتغطية تكاليف التشغيل والعطاء في هذا الوطن المليء خيرا وبرا وإحسانا. @ والمتابع للكثير من الأعمال الخيرية المحلية أو حتى تلك التي تنطلق من المحلية إلى العالمية في تقديم خدماتها لتغطي أركان الأرض كافة عبر برامجها المختلفة يلحظ مع عظيم الأسف ضعف البعد "التنموي" للموارد والاعتماد شبه الكلي على "صرف ما يرد مباشرة ومن ثم البحث عن موارد أخرى" وهكذا. @ هذا النهج الذي يتبعه الكثير من العاملين في القطاع الخيري مع عظيم الأسف يجعل عملية تنظيم وتطوير وتنمية جهات العمل الخيري السعودي أمرا شديد الصعوبة ذلك أن العاملين في تلك الجهات يجعلون همهم الأكبر وشغلهم الشاغل كيفية جلب الموارد ومن ثم العمل على صرفها وفق الأسس السليمة والصحيحة.. وهو سلوك جيد يحمدون عليه لكن الفكر الاستثماري في أعمال الجهات الخيرية يحتاج بالفعل إلى تنشيط وتنمية وتطوير. @ أظن أننا بأمس الحاجة إلى تطوير مهارات وقدرات العاملين في قطاعاتنا الخيرية كافة على أساليب ووسائل جلب ومن ثم تنمية الموارد، إضافة إلى تطوير مهارات القياديين في تلك الجهات الخيرية وأسجل هنا بكل التقدير الجهود الخيرية التي تبذلها مؤسسة الملك خالد الخيرية التي تنبهت مبكرا لهذا الجانب المهم فعملت أولا على رفع الإحساس الوطني من خلال الحث على الدعم للداخل عبر حملتها الإعلامية/ الإعلانية الشهيرة التي ركزت على مفهوم أن الأقربين أولى بالمعروف ثم ما تقوم به مشكورة من جهود فيما يتعلق بتلك الدورات التي تهدف لتنمية تطوير قدرات ومهارات العاملين في القطاعات الخيرية وهي دورات تدريبية وتطويرية رائدة تفضلت المؤسسة بتنظيمها بعدد من مناطق المملكة المختلفة وشارك فيها أعداد كبيرة من العاملين في قطاعاتنا الخيرية وقدمها نخبة من رواد العمل الخيري إدارة وممارسة محليين وعالميين. وأعتقد جازما أن بإمكان معظم تلك الجهات الخيرية تحقيق الاكتفاء الذاتي يوما من الأيام إن عملت واجتهدت على تحقيقه بدلا من "ضياع الوقت" في عمليات الاستجداء ولعلي هنا أستطيع تشبيه الجهات الخيرية بذلك الفقير الذي يطلب الصدقة عندما يسعى للاستفادة مما يعطيه الآخرون ليكف عن السؤال ويستطيع الاعتماد على نفسه كما حدث مع ذلك الرجل الذي جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فأعطاه دينارين وطلب منه أن يشتري فأساً وحبلاً ليحتطب .. وبالفعل استطاع ذلك الرجل من خلال ذلك التوجيه النبوي الكريم أن يستغني عن السؤال وأن يتمكن من توفير ما يحتاجه من "عرقه وجهده" ودون الحاجة إلى سؤال الآخرين. @ فهل تتمكن جمعياتنا الخيرية من الاعتماد على نفسها في تقديم الخير بدلا من سؤال الآخرين؟! وهل تركز اهتمامها في كيفية استثمار ما يتم جلبه بدلا من التركيز "فقط" على آليات الصرف!! @ لا أدري لكنه سؤال كبير بحجم الخير الموجود في وطننا وجدير - حسب ظني - في تبني وزارة الشئون الاجتماعية له خاصة وأنها الجهة التي كلفها الوطن العزيز برعاية جهود الخير فيه.. ودام الجميع بخير