إن كنت تعلم فتلك مصيبة.. وإن كنت لا تعلم فالمصيبة أعظم ، هكذا تقول الحكمة.. فهناك ممن لا يعلمون لكنهم يسعون الى تعليم أنفسهم بكافة الوسائل.. وهؤلاء أخيار صالحون يستحقون الاحترام.. وهناك من الذين لا يعلمون من يعتقد أن جهلهم أفضل من علمهم، قد يكونوا صادقين فيما يشعرون فالجهل أحيانا ببعض الأمور أفضل من العلم بها. هل الأغبياء هم الذين لا يعلمون.. وهل العلماء هم فقط الذين يعلمون.. وهل حجم العلم الذي يكتنزه الفرد في عقله يجعله من الأذكياء.. وهل تقاس درجة الغباء أو الذكاء.. الفطنة أو البلاهة.. العبقرية أو السذاجة.. بحجم العلم؟ ألا ترى أن هناك عدداً لا بأس به من العلماء عندما نقترب منهم نجد بهم درجة عالية من الغباء والبلاهة والسذاجة.. وكنا نظنهم عباقرة مبدعين.. وهذا هو الرأي الذي يعتقده أرسطو الذي يقول: (هناك دائما ركن غبي في عقل أكثر الناس حكمة وذكاء !!). أعتقد أن أرسطو كان حكيما في رأيه، ووصف الواقع كما هو، وبالتأكيد أننا كثيرا ما جلسنا مع من كنا نراهم في غاية الذكاء والعبقرية، وإذا بهم يقذفون انبهارنا بهم بآراء سطحية ساذجة، وأفكار سخيفة تجعلنا نغير نظرتنا بهم 380درجة. من هم العلماء.. وماذا يجب علينا نحن كأناس عاديون أن نعلم.. ما هو الحد الأدنى للعلم والمعرفة؟ يقول الأديب عباس محمود العقاد 1889- 1964(يجب أن تعرف شيئاً عن كل شيء، ويجب أن تعرف كل شيء عن شيء).. هل هذه كافية أم هناك دلالة أخرى يجب أن نتوقف عندها.. ربما. في تفسير ابن كثير للآية الكريمة من سورة الزمر (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)، أي هل يستوي هذا، والذي قبله ممن جعل للّه أنداداً ليضل عن سبيله؟ (إنما يتذكر أولوا الألباب)، أي إنما يعلم الفرق بين هذا وهذا، من له لب، وهو العقل. يقول الإمام علي بن أبي طالب (الحلم غطاء ساتر، والعقل حسام قاطع.. فاستر خلقك بحلمك، وقاتل هواك بعقلك). واستشارة العقلاء والحكماء من أفضل الصفات.. مثلما قال لقمان الحكيم لابنه وهو ينصحه : يا بني.. اجعل عقل غيرك لك في ما تدعو الحاجة إلى فعله.. فقال الابن: وكيف أجعل عقل غيري لي؟.. قال: تشاوره في أمرك. ويقول الشاعر الفرنسي فولتير 1694- 1778(إذا كان عقل المرء مثل حذائه بدون رباط، فلن يسير مرتاحا مشوار الحياة). وللعاقل الحكيم وقاره واحترامه وهيبته بين الناس، ومثلما قال نولدكه (فكرت في علوم الأرض، فلم أر علما أعظم من النظر في عقول الناس). ويقول الفيلسوف والقاضي الأندلسي ابن الطفيل 494- 581(العقل مصباح مركب في الرأس، بعضهم يحمله مضيئا، وبعضهم الآخر يحمله مطفأ). هذه كلها دلائل على قيمة العقل.. ولكن.. هل العلماء العقلاء هم فقط الذين يعلمون، أم أن كلا منا له علم ومعرفة فيما يهمه ويعنيه؟ هل أنت من الذين يعلمون.. أو من الذين لا يعلمون.. من أي الفريقين أنت؟.. فَكِر.. والأهم هو من أي الفريقين تريد أن تكون؟ الذين لا يعلمون في حياتنا كثيرون.. ومدعوا العلم أكثر.. وهم أيضا أكثر إزعاجا !!.. لاحظ.. أن الذين يعلمون يكونون أكثر تواضعا، وأقل ظهورا.. ويتوارون خلف خجلهم وحيائهم.. وأما أولئك من مدعي العلم.. فتجدهم سليطوا اللسان، يلهثون وراء الأضواء، يعشقون الظهور والبروز بشكل قاتل.. إياك أن تكون منهم.. واذا شعرت لحظة بأنك أصبحت مثلهم بادر بعلاج نفسك.. كيف؟ لا أعلم.. ولكن حاول أن تعيد نفسك إلى جادة الصواب.. ودمتم سالمين.