يعترف عالم الطب والعلاج بشبه قاعدة جارية، وهي أن الطبيب الجيد أو "النطاسي" يمكنه أن يكتشف عرضاً أو عرضين من حالة المريض أو شكواه بمجرّد خطوة داخل العيادة. أي قبل سؤاله وفحصه. ومفردة "النطاسي" تلك قلّ وندر استعمالها وهي صفة للطبيب الحاذق والعالم بأمور الطب. قال أوس بن حجر:- فهل لكمُ فيها إليّ فإنني طبيب بما أعيا النطاسيّ حِذءيَمَا أراد طبيباً اسمه حذيم ربما جاء هذا الفحص المفرداتي خارج الموضوع وأرجو أن يتسع صدر القارئ أو يضعه "بين هلالين" كما نسمع في الحوارات الفضائية. الطب والعلاج تغيّرا الآن عن القاعدة التي كانت سائدة في سالف الزمان. الطبيب الآن يلتقط أول جملة من جُمل الشكوى، ثم يلتمس ورقة يكتب فيها واحداً من أمرين: إمّا دواءً شبه جزافي، أو تحويلاً إلى المختبر بطلب تحليل. وأكثرهم - الأطباء - يكتفي بهذا العلم. أو هذا مبلغهم من العلم. صارت علب الدواء تحوي تشعبات عن كل علة يمكن للدواء أن يتعامل معها. وقلت الثقة بيد الطبيب وسمّاعته، ونقرات إصبعه، وصار المريض يكتفي بمطالعة المطوية ويطبقها على نفسه. ابنة أحد معارفي وصلت إلى مرحلة التخصص في دراسة الطب، وأرادت أن تأخذ تخصص "مسالك بولية" رأى والدها أن هذا تخصص غير مناسب لها كامرأة لأنه سيضطرها - في نظره - إلى تفحص عورة رجال، ومناطق حساسة من الأعضاء، وخاف عليها على حد قوله من "الصيّع" أي الشباب المستهتر. كانت الابنة ذكية لدرجة أنها أقنعت والدها بأن فحص المريض يتطلب ذلك النوع سواء كان المريض ذا شكوى تتعلق بالمسالك البولية أو في غيرها. وقالت: إن تقدم علم الطب والتحليل لا يلزمني بفحص كل جزء من "الصايع" بل أكتفى ببيانات الشكوى واجعل الممرضة تأخذ الوزن والضغط وأطلب التحليل. وأقارنه مع ما عندي من معلومات عن الوزن والضغط. وأكتب له العلاج، أو أحوّله إلى الاشعة أو إلى أخصائي آخر. دعونا نتفق إذاً أن الصيغة الأولى للطب والعلاج بدأت تختفي وأصبح الرأي الطبي يأتي عن طريق نتائج التحليل والاشعة، وبمهارة قراءة النتائج من لدن الطبيب. نسأل الله السلامة للجميع، والتوفيق لأجهزة الوطن الطبية.