يقول الروائي الفرنسي أناتول فرانس "ما الشقاء الا من انفسنا، وما أكثر الأخطاء التي يرتكبها الناس عندما ينسبون أسباب شقائهم إلى الآخرين". دائما يثار تساؤل جوهري حول ما إذا كان الإنسان مخيّراً أم مسيّراً؟ وهو تساؤل مشفوع بتداخلات إيمانية حول ما كتبه الله - عز وجل - لنا في اللوح المحفوظ من أقدار وعلم مسبق بأفعالنا وتصرفاتنا وما قدره هو ذاته لنا من اتباع طريق الخير أو الشر ومن الهداية أو الغواية ومن الصلاح أو الفساد.. فاذا كان بقدرته وعظمته قد حدد لنا مسارنا واختار لنا طريقنا الذي نسلكه فكيف نحاسب بعد ذلك بما اقترفناه من ذنوب وخطايا وهي مقدرة لنا قبل أن نخلق؟ فنحن إذا مسيرون إلى مصيرنا ولا نملك من أمرنا حولاً ولا قوة! بيد أن تفسيرنا السابق لا يجيب عن التساؤل بشكل مكتمل. فالله خلقنا وحدد لنا طريقا ودعانا لاتباعه، وعرّفنا بالمحظورات ونهانا عنها ورغّبنا باتباع طرق النجاة، وجعل لنا القدرة والإمكانية بتحديد مسارنا واختيار طريقنا الذي نسلكه، فالحلال بَيِّنٌ والحرام بَيِّنٌ، ومنحنا قدرات وإمكانات تجعلنا نعرف كيف نختار، وجعل في دواخلنا مشاعر وغرائز ومنحنا القدرة لأن نتحكم بها لا أن تتحكم بنا. وبهذا يصبح الإنسان مخيرا في أمور ومسيرا إلى أمور أخرى. الظلم فعل شيطاني اتبعه من شاء أن يتبعه، وهو طريق وعر امتزجت فيه رغبات مريديه مع غرائزهم وشهواتهم، فاندرج تحتها كل أشكال العنف التي شهدتها الخليقة منذ نشأتها الاولى، وسلك مسارها مئات من الظلمة والأشرار والطغاة سواء الذين خلدهم التاريخ بشنائع أعمالهم أم لم يخلدهم. وقد شهدت البشرية وجوهاً عديدة من الطغاة عبر سنوات طويلة أدت حماقاتهم إلى قيادة البشرية ناحية الهلاك، وذهب ضحايا بالملايين لجرائمهم.. فأولئك أبدعوا في ظلمهم وتفننوا في طغيانهم، لذلك خلدهم التاريخ، وكانت في الغالب نهاياتهم مليئة بالذل والعار والهوان. الطغاة هم فعل الخير الأحمق الذي ترتكبه الشعوب الساذجة! فكم من شعب صنع طغاته بنفسه حتى قادوه إلى الهلاك؟ والتاريخ مليء بمثل تلك النماذج التي تسلقت على أكتاف الشعوب، حتى وصلت الى سُدة الحكم بشعارات وأفكار وتأجيج للمشاعر بحجة الثورة على الأوضاع وقيادة الأمة لمقدراتها، فإذا بهم أقسى وأظلم وأبغض ممن انقلبوا عليهم! وكم من دول وشعوب عانت الأمرّين بسبب ثوارها، وترحمت على من كانوا يظنون أنهم حكام فسدة لا يشعرون بمعاناة الشعوب. وكم من ثورة رفعت شعار الحرية والديموقراطية وكانت أول من يمزقه ويرمي رافعيه والمنادين به والمناضلين من أجله في غياهب السجون، وأقعار المعتقلات، ومتاهات الصحاري! ولكن ما هي الحرية التي نريد؟ وما هي الحرية التي يستحقها الإنسان؟ وهل الحرية تقودنا إلى مجتمع أخلاقي حسبما وصفه الفيلسوف اليوناني أفلاطون؟ وتمكننا من العيش في مجتمع من الملائكة؟! الحرية ليست معادلة صعبة.. إنها شعور راسخ في عقولنا وفي دواخلنا.. ورغبة كاملة تجتاحنا.. ورسولنا الكريم قال: (لا يكن أحدكم إمّعة يقول مع الناس: إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساءوا أسأت..).. ودمتم سالمين.